الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ }

وقوله سبحانه: { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَـٰكِسُونَ } ، هَذا مَثَلٌ ضربَه اللَّهُ سبحانه في التوحيدِ، فَمَثَّلَ تَعَالَىٰ الكافرَ العابِدَ للأوثانِ والشياطينِ بِعَبْدٍ لرِجَالٍ عِدَّةٍ؛ في أَخْلاَقِهِم شَكَاسَةٌ وَعَدَمُ مُسَامَحَةٍ؛ فهم لذلك يُعَذِّبُونَ ذلك العَبْدَ بتضايقهم في أوقاتهم، ويضايِقُون العبدَ في كثْرَةِ العَمَلِ؛ فهو أبَداً في نَصَبٍ منهم وعناءٍ، فكذلك عَابِدُ الأوْثَانِ الذي يَعْتَقِدُ أَنَّ ضُرَّهُ ونَفْعَهُ عِنْدَهَا؛ هو معذَّبُ الفِكْرِ بِهَا وبحراسَةِ حَالِهِ مِنْهَا، ومَتَىٰ تَوَهَّمَ أنه أرْضَىٰ صَنَماً بالذبحِ له في زعمِه، تَفَكّر فيما يصنعُ معَ الآخرِ؛ فهو أبداً تَعِبٌ في ضلالٍ، وكذلك هو المُصَانِعُ للنَّاس المُمْتَحَنُ بخدمةِ الملوكِ، ومَثَّلَ تَعالى المُؤْمِنَ باللَّهِ وحدَهُ؛ بعَبْدٍ لرجُلٍ واحدٍ يُكَلِّفُه شُغْلَهُ؛ فهو يعمله عَلَىٰ تُؤدَةٍ وقَدْ سَاسَ مَوْلاَهُ، فالمولى يَغْفِر زَلَّتهُ ويشكُرُه على إجادةِ عَمَلهِ، و { مَثَلاً } مفعولُ بـ { ضَرِبَ } و { رَجُلاً } نَصْبٌ على البَدَلِ و { مُتَشَـٰكِسُونَ } معناه: لا سَمْحَ في أخلاقِهم؛ بل فيها لَجَاجٌ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «سالماً» أي: سالماً من الشّرْكَة، ثم وَقَفَ تعالى الكفارَ بقوله: { هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } ونَصْبُ { مَثَلاً } على التمييز؛ وهذا التوقيفُ لا يجيبُ عَنْهُ أحدٌ إلاَّ بأنهما لا يستويان؛ فلذلك عَامَلَتْهُمُ العِبَارَةُ الوجيزةُ عَلَىٰ أنهم قد أجابوا، فقال: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } أي: على ظهور الحجَّةِ عليكم من أقوالِكم، وباقي الآية بيِّن.

والاخْتِصَامُ في الآية قيلَ: عَامٌّ في المؤمنِين والكَافِرين، قال * ع *: ومعنى الآيةِ عندي: أن اللَّه تعالى تَوَعَّدَهُم بأنهم سيَتَخاصَمُونَ يَوْمَ القيامةِ في معنَىٰ ردِّهم في وجهِ الشريعةِ وتكذيبِهمْ لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وَرَوَى الترمذيُّ من حديث عبد اللَّه بن الزُّبَيْرِ قال: " لما نَزَلَتْ: { ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ عِندَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ } قال الزُّبَيْرُ: يا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُكَرَّرُ عَلَيْنَا الخُصُومَةُ بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَنَا في الدُّنْيَا؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: إنَّ الأَمْرَ إِذَنْ لَشَدِيدٌ " انتهى.