الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } * { قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ } * { وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي } * { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ } * { لَهُمْ مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ ٱلنَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يٰعِبَادِ فَٱتَّقُونِ }

وقوله تعالى: { قُلْ يَٰعِبَادِ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ } يُرْوَى أنَّ هذهِ الآيةَ نزلتْ في جَعْفَرِ بن أبي طالب وأصحابِهِ، حِينَ عزموا على الهجرة إلَىٰ أرض الحبشة، ووعد سبحانه بقوله: { لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هٰذِهِ ٱلْدُّنْيَا حَسَنَةٌ } فقولهُ: { فِى هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا } متعلق بـ { أَحْسَنُواْ } ، والمعنَىٰ: إنَّ الذين يُحْسِنُونَ في الدنيا لَهُمْ حَسَنَةٌ في الآخِرَة، وهي الجنةُ والنعيمُ؛ قاله مقاتلٌ ويحتملُ أنْ يريدَ: أن الذينَ يُحْسِنُونَ لهُم حسَنَةٌ في الدنيا، وهي العافيةُ والظهورُ وولايةُ اللَّهِ تعالى؛ قاله السُّدّيُّ، والأَوَّلُ أرجح أن الحسَنَةَ هِي في الآخِرة.

وقوله سبحانه: { وَأَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةٌ } حَضٌّ عَلى الهجرةِ، ثم وَعَدَ تعالى على الصَّبْرِ على المكارِهِ، والخروج مِنَ الوَطَنِ ونُصْرَةِ الدينِ وجميعِ الطاعات ـــ بِتَوْفِيَةِ الأجورِ بغير حِسَابٍ، وهذا يحْتَمِلُ معنيين:

أحدهما: أن الصابرَ يُؤتَىٰ أَجْرَهُ وَلاَ يحاسَبُ على نعيمٍ ولا يُتَابَعُ بذنوبٍ، ويكونُ في جملة الذين يدخلون الجنةَ بغير حساب.

والثاني من المعنيين: أن أجورَ الصابرينَ تُوَفَّىٰ بغَيْرِ حَصْر وَلا عَدٍّ، بلْ جُزَافاً، وهذه استعارةٌ للكثرةِ التي لا تحصى؛ وإلى هذا التأويلِ ذَهَبَ جمهورُ المفسرينَ، حتى قال قتادةُ: لَيْسَ ثَمَّ واللَّهِ مِكْيَالٌ ولا ميزان، وفي الحديث أَنَّهُ لما نزلتوَٱللَّهُ يُضَـٰعِفُ لِمَن يَشَاءُ } [البقرة:261] قال النبي صلى الله عليه وسلم: " اللَّهُمَّ، زِدْ أُمَّتِي " ، فَنَزَلَتْ بَعْدَ ذلِكَمَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } [البقرة:245] فقال: " اللَّهُمَّ زِدْ أُمَّتِي " حتى نزلَتْ: { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } ، قال: «رَضِيتُ يَا رَبِّ».

وقوله تعالى: { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } من المعلوم أنه ـــ عليه السلام ـــ معصومٌ من العِصْيَانِ، وإنما الخطابُ بالآيةِ لأِمَّتِهِ يَعُمُّهُمْ حكمُهُ، ويحفُّهم وعيدُهُ.

وقوله: { فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ } هذه صيغةُ أَمْرٍ عَلَىٰ جِهَةِ التهْدِيدِ، وهذا في القرآنِ كثيرٌ، و«الظُّلَّة» ما غَشِيَ وعَمَّ كالسَّحَابَةِ وَسَقْفِ البيت، ونحوِه.

[وقوله سبحانه: { ذٰلِكَ يُخَوِّفُ ٱللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ } يريد: جميعَ العَالَمِ].