الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي ٱلأَرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدُ بِمَا نَسُواْ يَوْمَ ٱلْحِسَابِ } * { وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ ٱلنَّارِ } * { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِي ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ }

وقوله تعالى: { يَٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلاْرْضِ } تقديرُ الكلامِ: وقُلْنَا لَهُ يا داوُدُ، قال * ع *: ولاَ يُقَالُ خليفةُ اللَّهِ إلا لرسولِه، وأما الخلفاءُ، فكل واحدٍ خَليفَةٌ للذي قَبْلَهُ، ومَا يَجِيءُ في الشِّعْرِ مِنْ تَسْمِيَة أحدهِم خليفةَ اللَّه فذلك تجوُّزٌ وَغُلُوٌّ؛ أَلا تَرىٰ أن الصَّحابَةَ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـــ حَرَزُوا هذا المعنى، فقالوا لأبي بَكْرٍ: خليفةُ رسولِ اللَّهِ، وبهذا كَانَ يُدْعَىٰ مدةَ خلافَتِه، فَلَمَّا وَلِيَ عُمَرُ؛ قالُوا: يا خليفةَ خليفةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَطالَ الأمْرُ، وَرأَوْا أنَّهُ في المُسْتَقْبَلِ سَيَطُولُ أكْثَرَ؛ فَدَعَوْهُ أَمِيرَ المُؤمنينَ، وقُصِرَ هَذا الاسْمُ عَلى الخُلَفَاءِ.

وقوله: { فَيُضِلَّكَ } قالَ أبو حيان: منصوبٌ في جوابِ النَّهْي، (ص) أبو البقاءِ وقيل: مجزومٌ عَطْفاً عَلَى النَّهْيِ وفُتِحَتِ [اللامُ] لالْتِقَاءِ الساكنين، انتهى.

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } إلى قوله: { وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُو ٱلأَلْبَابِ }: اعْتِرَاضٌ فصيحٌ بين الكلامينِ من أمرِ دَاوُدَ وسليمانَ، وهو خطابٌ لنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وعِظَةٌ لأمَّتِه، و { نَسُواْ } في هذه الآية مِعْنَاهُ تَرَكُوا، ثم وقفَ تَعالى عَلى الفَرْقِ عندَه بيْنَ المؤمِنينَ العامِلينَ بالصَّالِحَاتِ وبَيْنِ المفْسِدِينَ الكَفَرَةِ وبَيْنَ المتَّقِينَ والفُجَّارِ، وفي هَذَا التوقيفِ حَضٌّ عَلَى الإيمانِ والتَّقْوَىٰ، وتَرْغِيبٌ في عَمَل الصالحات، قَال ابنُ العَرَبِيِّ: نَفَى اللَّهُ تَعَالَى المساواةَ بَيْنَ المؤمِنينَ والكافِرِينَ، وبَيْنَ المتقينَ والفُجَّار؛ فلا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمْ في الآخرةِ، كَما قَالهُ المفَسِّرون ولاَ في الدُّنْيَا أيْضاً؛ لأنَّ المؤمنينَ المتقينَ معصومُونَ دَماً ومالاً وعرْضاً، والمُفْسِدُونَ في الأرض والفُجَّارُ مُبَاحُو الدَّمِ والمالِ والعِرْضِ، فَلاَ وَجْهَ لِتَخْصِيصِ المفسِّرِينَ بِذَلِكَ في الآخرة دون الدُّنْيَا، انتهى، من «الأحكام»؛ وهذا كما قال: وقوله تعالى في الآية الأخرَىٰ:سَوَاءً مَّحْيَـٰهُمْ وَمَمَـٰتُهُمْ } [الجاثية:21] يشهد له، وباقي الآية بَيِّنٌ.