الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا يَنظُرُ هَـٰؤُلآءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } * { وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ ٱلْحِسَابِ } * { ٱصْبِر عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ } * { إِنَّا سَخَّرْنَا ٱلجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِيِّ وَٱلإِشْرَاقِ } * { وَٱلطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ }

وقوله تعالى: { وَمَا يَنظُرُ هَـؤُلآءِ } أي: ينتظرُ، { إِلاَّ صَيْحَةً وٰحِدَةً } قال قتادة: تَوَعَّدَهُمْ سُبْحَانَهُ بصيحةِ القِيَامَةِ والنفخِ في الصُّور، قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: وقد رُوِيَ هذا التفسيرُ مرفوعاً، وقالتْ طائِفَةٌ: تَوَعَّدَهُمْ اللَّهُ بِصَيْحَةٍ يُهْلَكُونَ بِهَا في الدنيا، { مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ } قرأ الجمهورُ ـــ بفتح الفاءِ ـــ، وقَرأ حمزةُ والكسائي «فُوَاق» ـــ بِضم الفاء ـــ، قال ابن عباس: هما بمعنًى، أي: ما لَها من انْقِطَاعٍ وَعَوْدَةٍ، بَلْ هِي مُتَّصِلَةٌ حَتَّىٰ تُهْلِكَهُمْ، ومنه: فُوَاقُ الحَلْبِ، وهُوَ المُهْلَةُ التي بَيْنَ «الشُّخْبَيْنِ»، وقال ابن زَيْدٍ وغيرُهُ: المعنَىٰ مُخْتَلِفٌ، فالضَّمُّ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ مَعْنَى فُوَاقِ النَّاقَةِ، والفتحُ بِمَعْنَى الإفَاقَةِ، أيْ: لا يُفِيقُونَ فيها كما يُفِيقُ المَرِيضُ، والمَغْشِيُّ عَلَيْهِ، والْقِطُّ: الحَظُّ والنصيبُ، والْقِطُّ أَيْضاً الصَّكُّ والكتابُ من السُّلْطَانِ بِصِلة، ونحوهِ، واختلِف في الْقِطِّ هُنَا، ما أرادوا به؟ فقال ابن جُبَيْر: أرادوا به: عَجَّلْ لَنَا نَصِيبَنَا من الخَيْرِ والنَّعيمِ في دُنْيَانا، وقال أبو العالية: أرادوا عَجِّل لنا صُحُفَنَا بأيمانِنا؛ وذلك لمَّا سَمِعُوا في القرآن أَنَّ الصُحُفَ تُعْطَىٰ يوم القيامةِ بالأيْمَانِ والشَّمائِل، وقال ابن عباس وغَيره: أرادوا ضِدَّ هَذَا من العذابِ ونحوهِ، وهذا نظيرُ قولهمفَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ ٱلسَّمَاءِ } [الأنفال:32] قال * ع *: وعلى كل تأويل، فكَلاَمُهُم خَرَجَ عَلى جِهَةِ الاسْتِخْفَافِ والهُزْءِ.

{ وَٱذْكُرْ عَبْدَنَا * دَاوُودَ ذَا ٱلأَيْدِ } أَي: فَتَأَسَّ به ولاَ تَلْتَفِتْ إلَىٰ هؤلاءِ، «والأيْدِ» القُوَّةُ في الدين والشرع والصَّدْعُ به، والـ { أَوَّابٌ } الرَّجَّاعُ إلى طَاعةِ اللَّهِ، وقاله مجاهد وابن زيد وفسَّره السُّدِّيُّ: بالمُسَبِّحِ، وتسبيحُ الجِبَالِ هنا حقيقةٌ، و { الإشْرَاق }: ضياءُ الشَّمْسِ وارتفاعُها، وفي هذين الوَقْتَيْنِ كانت صلاَةُ بنِي إسرائيل، قال الثعلبيُّ: وليس الإشْرَاقُ طُلُوعَ الشَّمْسِ، وإنما هو صَفَاؤُها وضوءها، انتهى. قال ابن العربي في «أحكامه»: قال [ابن عباس]: ما كنتُ أعْلَمُ صلاةَ الضُّحَىٰ في القرآن حتى سمعتُ اللَّهَ تعالى يقول: { يُسَبِّحْنَ بِٱلْعَشِىِّ وَٱلإِشْرَاقِ } قال ابن العربي: أما صلاةُ الضُّحَىٰ فَهِي في هٰذِهِ الآيةِ نافلةٌ مُسْتَحَبَّةٌ، ولا ينبغي أنْ تُصَلَّىٰ حتى تتبينَ الشمسُ طَالعةً قَدْ أشْرَقَ نُورُهَا، وفي صلاةِ الضحَىٰ أحاديثُ أُصُولُهَا ثلاثةٌ: الأولُ حديثُ أبي ذَرٍّ وغيرِه عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أَنَّه قال: " يُصْبِحُ عَلَىٰ كُلِّ سُلاَمَىٰ مِنِ ٱبْنِ آدَمَ صَدَقَةٌ؛ تَسْليمُهُ عَلَىٰ مَنْ لَقِيَ صَدَقَةٌ، وأَمْرُهُ بالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، ونَهْيُهُ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وإمَاطَتُهُ الأَذَىٰ عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ، وبُضْعُهُ أهْلَهُ صَدَقَةٌ، ويجزىء مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ رَكْعَتَانِ مِنَ الضُّحَىٰ ". الثَّانِي: حديثُ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الجُهَنِيِّ عَنْ أبِيهِ؛ أَنَّ النَّبِيِّ ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ قال: " مَنْ قَعَدَ في مُصَلاَّهُ حِينَ يَنْصَرِفُ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ، حَتَّىٰ يُسَبِّحَ رَكْعَتَيْ الضُّحَىٰ لاَ يَقُولُ إلاَّ خَيْراً، غُفِرَتْ خَطَايَاهُ، وإنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ زَبَدِ البَحْرِ ".

السابقالتالي
2