الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ } * { وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ } * { قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ } * { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } * { كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ } * { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُواْ هُمُ ٱلْغَٰلِبِينَ } * { وَآتَيْنَاهُمَا ٱلْكِتَابَ ٱلْمُسْتَبِينَ } * { وَهَدَيْنَاهُمَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ } * { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي ٱلآخِرِينَ } * { سَلاَمٌ عَلَىٰ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُؤْمِنِينَ } * { وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ }

وقوله تعالى: { فَلَمَّا أَسْلَمَا } أي: أسلما أنفسهمَا، واسْتَسْلَمَا للَّه ـــ عز وجل ـــ، وقَرَأ ابن عبَّاس وجماعة: «سَلَّمَا»، والمعنى فَوَّضَا إليه في قضائه وقَدَرِهِ ـــ سبحانه ـــ، فأسْلَم إبراهيمُ ابْنَهُ، وأسْلَمَ الابْنُ نَفْسَهُ، قال بعْضُ البَصْرِيين: جوابُ «لما» محذوفٌ تقديره: فلما أسْلَمَا وَتَلَّهُ للجبينِ، أُجْزِلَ أجْرُهُما، ونحوُ هذا مِمَّا يَقْتَضِيهِ المعنَىٰ، { وَتَلَّهُ } معناه: وَضَعَه بقوَّةٍ ومنْه الحديثُ في القِدْحِ: فَتَلَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في يده، أي: وضعه بقوَّة، و { لِلْجَبِينِ } معناه: لتلك الجهةِ وعليها، كما يقولون في المثلِ: [الطويل]
.............   وخَرَّ صَرِيعاً لِلْيَدَيْنِ وَلِلْفَمِ
وكما تقول: سَقَطَ لِشِقِّهِ الأيْسَرِ، والجَبِينانِ: ما اكْتَنَفَ الجَبْهَةَ مِنْ ههنا، ومن ههنا، و«أَنْ» من قوله: { أَن يَٰإِبْرَٰهِيمُ } مُفَسِّرَةٌ لاَ مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الإعْرَابِ، و { صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا } يحتملُ أنْ يريدَ بقَلْبِكَ أو بِعَمَلِكَ، و«الرؤيا» اسمٌ لِمَا يُرَىٰ مِن قِبَلِ اللَّهِ ـــ تعالى ـــ، والمَنَامُ والحُلْمُ: اسمٌ لما يُرَىٰ منْ قِبَلِ الشَّيْطَانِ؛ ومنه الحديث الصحيح: " الرُّؤْيَا مِنَ اللَّهِ، والحُلْمُ مِنَ الشَّيْطَانِ " ، و { ٱلْبَلاَءُ }: الاخْتِبَارُ، والذَّبْحُ العظيمُ في قول الجمهور: كَبْشٌ أبْيَضُ أعْيَنُ، وَجَدَهُ وَرَاءَهُ مَرْبُوطاً بسَمُرَةٍ، وأَهْلُ السُّنَّةِ عَلَىٰ أَنَّ هذه الْقِصَّةَ نُسِخَ فيها العَزْمُ على الْفِعْلِ؛ خلافاً للمعتزلة، قال أحمد بن نَصْرٍ الداوودي: وإنْ نَسَخَ اللَّهُ آيةً قَبْلَ العَمَلِ بِهَا؛ فإنَّما يَنْسَخُها بَعْدَ اعْتِقَادِ قَبُولِها وهُوَ عَمَلٌ انتهى من تفسيره عند قوله تعالى:مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } [البقرة:106] قال * ع *: ولا خلافَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ أَمَرَّ الشَّفْرَةَ عَلَىٰ حَلْقِ ٱبْنهِ فَلَمْ تَقْطَعْ، والجمهورُ أَنَّ أمْرَ الذَّبْحِ كانَ بِمِنًى، وقال الشَّعْبِيُّ: رَأَيْتُ قَرْنَيْ كَبْشِ إبْرَاهِيمَ مُعَلَّقَتَيْنِ في الكَعْبَةِ، وَرَوَىٰ عِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: " يَا فَاطِمَةُ، قُومِي لاُّضْحِيَتِكِ، فَٱشْهَدِيهَا؛ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ، وَقُولِي: إنَّ صَلاَتِي ونُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ، لاَ شَرِيكَ لَه وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ المُسْلِمِينَ " قال عِمْرَانُ: قلت: يا رسُولَ اللَّهِ، هَذَا لَكَ وَلأَهْلِ بَيْتِكَ خَاصَّةً، أَمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَال: «لاَ، بَلْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً» رواه الحاكم في «المستدرك» انتهى من «السِّلاَح».

وقوله تعالى: { وَظَـٰلِمٌ لِّنَفْسِهِ } توعُّد لمنْ كَفَرَ من اليهودِ بمحمَّد ـــ عليه السلام ـــ، و { ٱلْكِتَـٰبَ ٱلْمُسْتَبِينَ }: هو التوراةُ، قال قتادة وابن مَسْعُود: إلْيَاسُ: هو إدريسُ ـــ عليه السلام ـــ، وقالت فرقة: هو مِنْ وَلَدِ هَارُونَ، وقرأ نافِعُ وابن عامِر: «عَلَىٰ آلِ يَاسِينَ»، وقرأ الباقون: «عَلَىٰ إلْيَاسِينَ» ـــ بألفٍ مكسورةٍ ولامٍ ساكنةٍ ـــ، فَوُجِّهَتِ الأولَىٰ؛ علَىٰ أنها بمعنى: «أهْل»، و«ياسِينُ»: اسمُ لإلياسَ، وقيل: هو اسم لمحمَّد ـــ عليه السلام ـــ، ووُجِّهَتِ الثانيةُ علَىٰ أَنَّها جَمْعُ «إلْيَاسِيٍّ»، وقرأ ابن مسعود والأعمش: «وإنَّ إِدْرِيسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ، وَسَلاَمٌ عَلَىٰ إدْرِيسِينَ»، قال السُّهيليُّ: قال ابن جِنِّيْ: العربُ تتلاعبُ بالأسماءِ الأعجميةِ تلاعباً؛ فـ«ياسين»، و«إلياسُ» و«اليَاسِينُ» شيءٌ واحدٌ، انتهى.

* ت *: وحكى الثعلبيُّ هنا حكايةً عَنْ عَبْدِ العزيزِ بْنِ أبي رواد، عن رجلٍ لَقِي إلياسَ في أيَّام مَرْوانَ بن الحَكَمِ، وأخبَرَهُ بعَدَدِ الأبْدَالِ وعَن الخَضِرِ في حكايةٍ طويلةٍ لا ينبغي إنكارُ مثلها؛ فأولياءُ اللَّهِ يُكاشَفُونَ بِعَجَائِبَ، فلا يُحْرَمُ الإنْسَانُ التَّصْدِيقَ بِهَا، جعلنَا اللَّه مِنْ زُمْرَةِ أوليائه، انتهى.