وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } هذه الآية تؤيد التأوِيلَ الأوَّل مِن أنَّ الثَلاَثَةَ الأصْنَافِ هي كلها في الجنة، لأن ذِكْرَ الكافرين أُفْرِدَ ها هنا. وقوله: { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ } أي لا يُجْهَزُ عليهم. وقولهم: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا } أي: يقولون هذه المقالة فيقال لهم على جهة التوبيخ: { أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ } الآية. واخْتُلِفَ في المدة التي هي حَدُّ للتذكر، فقال الحسن بن أبي الحسن: البلوغُ، يريد أنه أول حال التذكر. وقال ابن عباس أربعون سنة؛ وهذا قول حسن؛ ورويت فيه آثارُ. ورُوِيَ أن العبدَ إذا بلغ أربعينَ سنةً ولم يتب؛ مسح الشيطانُ على وجهه، وقال: بأبي وجهٌ لا يفلح، وقيل: الستين وفيه حديث. * ت *: وفي البخاري: من بلغ ستين سنة فقد أَعْذَرَ اللّه إليه؛ لقوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } يعني: الشيب. ثم أسْنَد عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَعْذَرَ اللَّهُ ٱمْرَأً أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّىٰ بَلَغَ سِتِّين سنةٍ " انتهى. و { ٱلنَّذِيرُ } في قول الجمهور: الأنبياء. قال الطبري: وقيل: النذيرُ: الشيبُ، وهذا أيضاً قول حَسَنٌ. وقوله: { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي وَبَالُ كفرِه و«المقت»: ٱحتقارُك الإنسَانَ مِن أجْلِ مَعْصِيَتهِ، والخَسَارُ: مُصَدَرُ خَسِرَ يَخْسَرُ، و { أَرَءَيْتُم } ، تتنزل عند سيبويه منزلةَ أخبروني، ولذلك لا تحتاج إلى مفعولين، والرؤية في قوله { أَرُونِي } رؤيةُ بَصر. * ت *: قال ابن هشام: قوله { مِنَ ٱلأَرْضِ } ، «من»: مرادفة «في». ثم قال: والظاهرَ أنَّها لبيان الجِنْسِ، مثلها:{ مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } [البقرة:106] الآية.انتهى. ثم أضْرَبَ سبحانه عنهم بقوله: { بَلْ إِن يَعِدُ } أي: بل إنما يعدون أنفسهم غروراً. وقوله: { أَن تَزُولاَ } أي: لئلا تزولا, ومعنى الزوال هنا: التنقلُ من مكانها، والسُّقُوطُ من عُلُوَّهَا. وعن ابن مسعودٍ أن السَّماءَ لا تدورُ وإنما تَجْرِي فيها الكواكبُ. وقوله تعالى: { وَلَئِن زَالَتَا } قيل: أراد يوم القيامة. وقوله تعالى: { إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } أي: من بعد تركه الإمساك. قال * ص *: { إِن أَمْسَكَهُمَا }: أن: نافية بمعنى، ما وأمسَك: جواب القسم المقدَّرِ قبل اللام الموطئة في { لَئِنْ } ، وهو بمعنى: يمسك؛ لدخول أن الشرطية؛ كقوله تعالى:{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [البقرة:145] أي: ما يتبعون وكقوله:{ وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا } [الروم:51] إلى قَوْلِهِ:{ لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } [الروم:51] أي: لَيَظُلْونَ، وحذف جواب إن في هذه المواضع لدلالةِ جوابِ القَسَمِ عليه. وقوله: { مِنْ إِحْدَى } { مِن }: زائدة لتأكيد الاستغراق انتهى.