الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } * { وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ ٱلَّذِي كُـنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَآءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ } * { إِنَّ ٱللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ فِي ٱلأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ ٱلْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً } * { قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُواْ مِنَ ٱلأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً فَهُمْ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ ٱلظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ وَلَئِن زَالَتَآ إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً }

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ } هذه الآية تؤيد التأوِيلَ الأوَّل مِن أنَّ الثَلاَثَةَ الأصْنَافِ هي كلها في الجنة، لأن ذِكْرَ الكافرين أُفْرِدَ ها هنا.

وقوله: { لاَ يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ } أي لا يُجْهَزُ عليهم.

وقولهم: { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا } أي: يقولون هذه المقالة فيقال لهم على جهة التوبيخ: { أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُمْ } الآية. واخْتُلِفَ في المدة التي هي حَدُّ للتذكر، فقال الحسن بن أبي الحسن: البلوغُ، يريد أنه أول حال التذكر. وقال ابن عباس أربعون سنة؛ وهذا قول حسن؛ ورويت فيه آثارُ. ورُوِيَ أن العبدَ إذا بلغ أربعينَ سنةً ولم يتب؛ مسح الشيطانُ على وجهه، وقال: بأبي وجهٌ لا يفلح، وقيل: الستين وفيه حديث.

* ت *: وفي البخاري: من بلغ ستين سنة فقد أَعْذَرَ اللّه إليه؛ لقوله: { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ ٱلنَّذِيرُ } يعني: الشيب. ثم أسْنَد عن أبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَعْذَرَ اللَّهُ ٱمْرَأً أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّىٰ بَلَغَ سِتِّين سنةٍ " انتهى. و { ٱلنَّذِيرُ } في قول الجمهور: الأنبياء. قال الطبري: وقيل: النذيرُ: الشيبُ، وهذا أيضاً قول حَسَنٌ.

وقوله: { فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ } أي وَبَالُ كفرِه و«المقت»: ٱحتقارُك الإنسَانَ مِن أجْلِ مَعْصِيَتهِ، والخَسَارُ: مُصَدَرُ خَسِرَ يَخْسَرُ، و { أَرَءَيْتُم } ، تتنزل عند سيبويه منزلةَ أخبروني، ولذلك لا تحتاج إلى مفعولين، والرؤية في قوله { أَرُونِي } رؤيةُ بَصر.

* ت *: قال ابن هشام: قوله { مِنَ ٱلأَرْضِ } ، «من»: مرادفة «في». ثم قال: والظاهرَ أنَّها لبيان الجِنْسِ، مثلها:مَا نَنسَخْ مِنْ ءَايَةٍ } [البقرة:106] الآية.انتهى. ثم أضْرَبَ سبحانه عنهم بقوله: { بَلْ إِن يَعِدُ } أي: بل إنما يعدون أنفسهم غروراً.

وقوله: { أَن تَزُولاَ } أي: لئلا تزولا, ومعنى الزوال هنا: التنقلُ من مكانها، والسُّقُوطُ من عُلُوَّهَا. وعن ابن مسعودٍ أن السَّماءَ لا تدورُ وإنما تَجْرِي فيها الكواكبُ.

وقوله تعالى: { وَلَئِن زَالَتَا } قيل: أراد يوم القيامة. وقوله تعالى: { إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ } أي: من بعد تركه الإمساك.

قال * ص *: { إِن أَمْسَكَهُمَا }: أن: نافية بمعنى، ما وأمسَك: جواب القسم المقدَّرِ قبل اللام الموطئة في { لَئِنْ } ، وهو بمعنى: يمسك؛ لدخول أن الشرطية؛ كقوله تعالى:وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَـٰبَ بِكُلِّ ءَايَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ } [البقرة:145] أي: ما يتبعون وكقوله:وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا } [الروم:51] إلى قَوْلِهِ:لَّظَلُّواْ مِن بَعْدِهِ } [الروم:51] أي: لَيَظُلْونَ، وحذف جواب إن في هذه المواضع لدلالةِ جوابِ القَسَمِ عليه.

وقوله: { مِنْ إِحْدَى } { مِن }: زائدة لتأكيد الاستغراق انتهى.