وقوله ـــ تعالى ـــ: { وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ فَزِعُواْ... } الآية. قَالَ الحَسَنُ بن أبِي الحَسَنِ: ذَلِكَ فِي الكُفَّارِ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنَ القُبُورِ فِي القِيَامَةِ.
قال * ع *: وَهُوَ أرْجَحُ الأَقْوَالِ هُمَا، وَأَمَّا مَعْنَىٰ الآيَةِ فَهُوَ التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِهِمْ إذَا فَزِعُوا مِنْ أخْذِ اللّهِ إيَّاهُمْ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُمْ أَنْ يَفُوتَ مِنْهُمْ أَحَد { وَأُخِذُواْ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } ، أي: أنَّ الأَخْذَ يَجِيئُهُمْ مِنْ قُرْبٍ فِي طُمَأْنِينَتِهِمْ وَبعَقِبِهَا، بَيْنَمَا الكَافِرُ يُؤَمَّلُ ويُتَرَجَّى إذْ غَشِيَهُ الأَخْذُ، وَمَنْ غَشِيَهُ أُخِذَ مِنْ قَرِيبٍ؛ فَلاَ حِيلةَ لَهُ وَلاَ رَوِيَّةَ، و { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ } الضَّمِيرُ في { بِهِ } عَائِدٌ عَلى اللّهِ ـــ تعالى ـــ، وَقِيلَ: عَلى محمدٍ وَشَرْعِه والقُرْآنِ وَقَرَأَ نَافِعٌ وَعَامَّةُ القُرّاءَ: «التناوش» دُونَ هَمْزٍ وَمَعْنَاهُ التَّنَاوُلِ، مِن قَوْلِهِمْ نَاشَ يَنُوشُ إذَا تَنَاوَلَ، وَعِبَارَةَ الوَاحِدِيِّ { وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } أي: كَيْفَ يَتَنَاوَلُونَ التَّوْبَةَ وَقَدْ بَعُدَتْ عَنْهُمْ. انتهى.
وقَرَأ أبُو عمرو وحمزة والكسائي: «التناؤش» بِالهَمْزِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُه كَالْقِرَاءَةِ الأَولَى، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الطَّلَبِ؛ تَقُولُ: انْتَأَشْتُ الخَيْرَ إذَا طَلَبْته مِنْ بُعْدٍ.
* ت *: وَقَالَ البُخَارِيُّ: التَّنَاوُشُ الرَّدُّ مِنَ الآخِرَة إلَى الدُّنْيَا، انتهى.
{ وَيَقْذِفُونَ بِٱلْغَيْبِ } أي: يَرْجُمُوْنَ بِظُنُونِهِمْ وَيَرْمُوْنَ بِهَا الرَّسُولَ وَكِتَابَ اللّهِ، وَذَلِكَ غَيْبٌ عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِمْ سِحْرٌ وَافْتِرَاءٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ، قَالَه مُجَاهِدٌ، وَقَالَ قَتَادَةُ: قَدْفُهُمْ بِالْغَيْبِ هُوَ قَوْلُهُمْ لاَ بَعَثٌ وَلاَ جَنَّةٌ وَلا نَارٌ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَه: { وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ }.
قَالَ الحَسَنُ: مَعْنَاهُ مِنَ الإيمَانِ وَالتَّوْبَةِ وَالرُّجُوعِ إلَى الإنَابَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَذَلِكَ أنَّهُمْ اشْتَهَوْهُ فِي وَقْتٍ لاَ تَنْفَعُ فِيهِ التَّوْبَةُ وَقَالَهُ أَيْضاً قَتَادَةَ؛ وَقَالَ مُجَاهِدُ: مَعْنَاه: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ نَعِيمٍ الدُّنْيَا.
وَقِيلَ: مَعَناهُ حِيلَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ الجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا كَمَا فُعِلَ بَأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ، والأَشْيَاعُ الفِرَقُ المُتَشَابِهَةُ، أَشْيَاعُ هَؤُلاَءِهُمُ الكَفَرَةُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ.
* ص *: قَالَ أَبُو حِيَّانٍ: و { مُّرِيبٍ } اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَرَابَ، أي: أتى بِرَيْبَةٍ وَأَرْبَتُهُ وَأَوْقَعَتْهُ فِي رَيْبَةِ، وَنسْبَةُ الإرَابَةِ إلَى الشَّكِّ مَجَازٌ.
قَالَ * ع *: والشَّكُّ المُرِيبُ أَقْوَى مَا يَكُونُ مِنَ الشَّكِّ وَأَشَدُّهُ إظْلاَماً، انتهى.