الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ } * { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ بِٱلَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ ٱلضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي ٱلْغُرُفَاتِ آمِنُونَ }

وقوله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَـٰفِرُونَ } هذهِ الآيةُ تَسْلِيَةٌ لِلنَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنْ فِعْلِ قُرَيْشٍ وَقَوْلِها، أي: هَذِهِ يَا مُحَمَّدُ سِيرَةُ الأُمَمِ، فَلاَ يُهِمَّنَّكَ أَمْرُ قَوْمِكَ وَالْقَرْيَةُ: المَدِينَةُ، والمُتْرَف: الغَنِيُّ المُنْعَمُ القَلِيلُ تَعَب النَّفْسِ وَالبَدَنِ، فَعَادَتُهُمُ المبَادَرَةُ بالتَّكْذِيبِ.

وقوله: { وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَـرُ أَمْوٰلاً... } الآية: يُحْتَمَلُ أنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ فِي { قَالُواْ } عَلى المُتْرِفِينَ؛ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِقُرَيْشٍ، وَيَكُونُ كَلاَمُ المُتْرِفِينَ قَدْ تَمَّ قَبْلَهُ، وَفِي «صحيح مسلمٍ» عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ: " إنَّ اللّهَ لاَ يَنْظُرُ إلَىٰ صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلٰكِنْ يَنْظُرُ إلَىٰ قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ " انتهى.

وٱعْلَمْ أَنَّ المَالَ الزَّائِدَ عَلَى قَدْرِ الحَاجَةِ قَلَّ أَنْ يَسْلَمَ صَاحِبُهُ مِنَ الآفَاتِ إلاَّ مَنْ عَصَمَه اللّه تَعالى،وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [الشورى:27].

وَقَدْ جَاءَ فِي «صَحِيحِ البُخَارِيِّ» وَغَيْرِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: " الأَكْثَرُونَ مَالاً هُمُ الأَقَلُّونَ يَوْمَ القِيَامَةِ إلاَّ مَنْ قَالَ بِالمَالِ هَكَذَا وَهَكَذَا " ـــ وأَشَارَ ابنُ شِهَابٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ ـــ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ اهـــ. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي «رَقَائِقِهِ» قَالَ: أَخْبَرَنَا حَيْوَةُ بنُ شُرَيْحٍ عَن عقَيْلٍ بْنِ خَالِدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَـٰنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الشَّيْطَانَ قَالَ: لَنْ يَنْجُوَ مِنِّي الغَنِيُّ مِنْ إحْدَىٰ ثَلاثٍ: إمَّا أنْ أُزَيِّنَ مَالَهُ فِي عَيْنَيْهِ فَيَمْنَعُهُ مِنْ حَقِّهِ؛ وَإمَّا أنْ أُسَهِّلَ لَهُ سَبِيلَهُ فَيُنْفِقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ؛ وَإمَّا أَنْ أُحَبِّبَهُ فَيَكْسِبَهُ بِغَيْرِ حَقِّه " ؛ انتهى. و«الزّلْفَى»: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى القُرْبِ.

وقَوله: { إِلاَّ مَنْ ءَامَنَ } اسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعَ، وَقَرَأَ الجُمْهُورُ: «جزاء الضعف»، بِالإضَافَةِ و { الضعف }: هُنَا اسْمُ جِنْسٍ، أي: بالتَّضْعِيفِ، إذْ بَعْضُهُم يُجَازَى إلَى عَشَرَةٍ وَبَعْضُهُمْ أَكْثَرُ صاعداً إلى سَبْعِ مِائَةٍ بِحَسْبِ الأَعْمَالِ وَمَشِيئَةِ اللّهِ فِيها.