الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً } * { لِّيُعَذِّبَ ٱللَّهُ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ ٱللَّهُ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً }

وقوله سبحانه: { إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ... } الآية، ذهب الجمهور: إلى أن الأمانةَ كلُّ شيء يُؤتمن الإنسانُ عليه من أمر؛ ونهي وشأن دين ودنيا؛ فالشرعُ كلّه أمانة؛ ومعنى الآية: إنا عرضْنَا على هذه المخلوقاتِ العظامِ أنْ تحملَ الأوامرَ والنَّواهي ولهَا الثوابُ إن أحْسَنَتْ، والعقابُ إن أساءت فأبتْ هذه المخلوقاتُ وأشفقت، فيحتمل أن يكونَ هذا بِإدراكٍ يَخْلُقُه اللّهُ لَهَا ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ هذا العَرْضُ على مَنْ فِيها من الملائِكةِ، وحَمَلَ الإنسانُ الأمانةَ، أي: التزَمَ القِيامَ بِحَقِّهَا، وهو في ذلك ظَلُومٌ لِنَفْسِهِ جَهُولٌ بقدر مَا دخَل فيه؛ وهذا هو تأويل ابنِ عباس وابن جبير. قال ابن عباس وأصحابُه: و { ٱلإِنسَـٰنُ } آدم تَحمَّلَ الأَمانةَ؛ فَما تَمَّ لَهُ يَوْمٌ حَتَّى وَقَعَ فِي أمرِ الشَّجرةِ. وقال بعضُهم: { ٱلإِنسَـٰنُ }: النَّوعُ كلّه؛ فعلى تأويلِ الجمهور يكونُ قولُهما في الآية الأخرى { أَتَيْنَا طائعين } إجابةً لأَمْرٍ أُمِرْت بِهِ وتَكُونُ هذه الآيةُ إبايَةً وإشفاقاً مِنْ أَمْرٍ عُرِضَ عَلَيْهَا وخُيِّرَتْ فِيه.

وقوله تعالى: { لِّيُعَذِّبَ }: اللامُ لامُ العَاقِبَة، وكذا قَال أبو حيان: اللام في { لِّيُعَذِّب }: للصَّيْرُورَةِ؛ لأَنَّه لَمْ يَحْمِلْ الأَمَانَةَ ليُعَذَّبَ، ولكنْ آلَ أمره إلى ذلك.

* ص *: أبو البقاء: اللام تتَعلق بـ: { حَمَلَهَا } وقرأ الأعمش: «ويتوبُ» ـــ بالرفع على الاسْتِئْنَافِ، واللّهِ أعلم. انتهى. وباقي الآية بيِّن.