الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلضَّآلُّونَ } * { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ ٱلأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ } * { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَـٰنِهِمْ ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْرًا... } الآية: قال أبو العَالِيَة رُفَيْعٌ: الآيةُ في اليهودِ كَفَرْوا بمحمَّد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته، وإقرارِهِمْ أنها في التَّوراة، ثم ٱزدادوا كُفْراً؛ بالذُّنوبِ الَّتي أصابوها في خلافِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ مِنَ الافتراءِ، والبَهْتِ، والسَّعْي على الإسلام، وغير ذلك.

قال * ع *: وعلَىٰ هذا الترتيبِ يَدْخُلُ في الآية: المرتدُّون اللاحقون بقُرَيْش، وغيرُهم. وقال مجاهد: معنى قوله: { ثُمَّ ٱزْدَادُواْ كُفْراً } ، أي: أتموا علَىٰ كُفْرهم، وبلغوا المَوْت به.

قال * ع *: فيدخُلُ في هذا القولِ: اليهودُ، والمرتدُّون، وقال السُّدِّيُّ نحوه، ثم أخبر تعالَىٰ أنَّ توبة هؤلاءِ لَنْ تقبَل، وقد قررت الشريعةُ؛ أنَّ توبة كلِّ كافر تقبل، فلا بُدَّ في هذه الآيةِ مِنْ تخصيصٍ تُحْمَلُ عليه، ويصحُّ به نَفْيُ قبولِ التَّوبة، فقال الحسن وغيره: المعنَىٰ: لَنْ تُقْبَلَ توبتُهم عنْدَ الغَرْغَرَةِ والمعاينة، وقال أبو العاليَةِ: المعنَىٰ: لَنْ تُقْبَلَ توبتْهم مِنْ تلك الذُّنُوبِ الَّتي أصابُوها مع إقامتهم على كُفْرهم بمحمَّد صلى الله عليه وسلم.

قال * ع *: وتحتملُ الآية عنْدي أنْ تكونَ إشارةً إلَىٰ قومٍ بأعيانهم من المرتدِّين، وهم الذين أشار إلَيْهم بقوله سبحانه:كَيْفَ يَهْدِي ٱللَّهُ قَوْماً } [آل عمران:86]، فأخبر عنهم أنَّه لا تكونُ منهم توبَةٌ، فيتصوَّر قبولها؛ فكأنه أخبر عن هؤلاء المعيَّنين؛ أنهم يموتون كُفَّاراً، ثم أخبر الناسَ عَنْ حُكْم كلِّ مَنْ يموت كافراً، والمِلْء: ما شُحِنَ به الوعاء، وقوله: { وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } ، قال الزَّجَّاج: المعنَىٰ: لَنْ يقبلَ منْ أحدهم إنفاقُهُ وتقرُّباته في الدُّنْيَا، ولو أنفق مِلْءَ الأرْض ذَهَباً، ولو ٱفتَدَىٰ أيضًا به في الآخرة، لَنْ يقبَل منْه، قال: فأَعْلَمَ اللَّهُ أنه لا يُثِيبُهُم علَىٰ أعمالهم من الخَيْر، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب.

قال * ع *: وهذا قولٌ حسَنٌ، وقال قوم: الواو زائدةٌ، وهذا قولٌ مردودٌ، ويحتملُ المعنَىٰ نفْيَ القَبُول علَىٰ كلِّ وجه، ثم خص مِنْ تلك الوجوهِ أليقها وأحراها بالقَبُول، وباقي الآية وعيدٌ بَيِّن، عافانا اللَّه من عقابِهِ، وخَتَمَ لنا بما خَتَمَ به للصَّالحين من عباده.

وقوله تعالى: { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ... } الآية: خطابٌ لجميعِ المؤمنين، فتحتملُ الآية أنْ يريد لَنْ تنالوا بِرَّ اللَّه بكُمْ، أي: رحمتَهُ ولُطْفَه، ويحتملُ أنْ يريد لَنْ تنالوا درجَةَ الكمالِ مِنْ فعْلِ البِرِّ؛ حتى تكونُوا أبراراً إلاَّ بالإنفاقِ المُنْضَافِ إلى سائر أعمالكم.

قال * ص *: قوله: { مِمَّا تُحِبُّونَ }: «مِنْ»: للتبعيضِ؛ تدلُّ عليه قراءةُ عبْد اللَّهِ: «بَعْضِ مَا تُحِبُّونَ» اهـــ.

قال الغَزَّالِيُّ: قال نافعٌ: كانَ ابْنُ عُمَرَ مريضاً، فٱشتهَىٰ سَمَكَةً طَرِيَّةً، فحملتْ إلَيْه علَىٰ رغيفٍ، فقام سائلٌ بالبابِ، فأمر بدفعها إلَيْه، ثم قَالَ: سمعْتُ رسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

السابقالتالي
2