الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَآ آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي قَالُوۤاْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَٱشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُمْ مِّنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { فَمَنْ تَوَلَّىٰ بَعْدَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَاسِقُونَ } * { أَفَغَيْرَ دِينِ ٱللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } * { قُلْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } * { وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدّقٌ لّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ }: المعنى: وٱذْكُرْ يا محمَّد إذْ، فيحتملُ أن يكون أخذ هذا الميثاق؛ حين أَخرج بني آدم مِنْ ظَهْر آدم نَسَماً، ويحتملُ أنْ يكون هذا الأخْذُ علَىٰ كلِّ نبيٍّ في زمنه، ووقت بعثه، والمعنَىٰ: إنَّ اللَّه تعالَىٰ أخذ ميثاقَ كُلِّ نبيٍّ؛ بأنه ملتزمٌ هو ومن آمَنَ به الإيمانَ بمَنْ أَتَىٰ بعده من الرُّسُل، والنَّصْرَ له، وقال ابن عبَّاس: إِنما أخذ اللَّه ميثاقَ النَّبيِّين علَىٰ قومهم، فهو أخذ لميثاقِ الجميع، وقال عَلِيُّ بْنُ أبي طَالِبٍ (رضي اللَّه عنه): لَمْ يبعثِ اللَّهُ نَبِيًّا آدَمَ فَمَنْ بعده، إلا أخذ عليه العَهْدَ في محمَّد صلى الله عليه وسلم: لَئِنْ بُعثَ، وهو حيٌّ، لَيُؤْمِنَنَّ به، ولينصُرَنَّه، وأمره بأخذه علَىٰ قومه، ثم تلا هذه الآيةَ، وقاله السُّدِّيُّ.

وقرأ حمزةُ: «لِمَا»؛ بكسر اللام، وهي لامُ الجَرِّ، والتقديرُ لأجْلِ ما آتيناكم؛ إذْ أنتم القادَةُ والرءوس، ومَنْ كان بهذه الحال، فهو الذي يُؤْخَذُ ميثاقُهُ، و «ما» في هذه القراءةِ بمعنَى «الَّذِي»، والعائدُ إلَيْها من الصِّلَة، تقديره: آتيناكموه، و «مِنْ»: لبيانِ الجنسِ، و { ثُمَّ جَاءَكُمْ... } الآية: جملةٌ معطوفةٌ على الصِّلة، ولا بُدَّ في هذه الجملة مِنْ ضميرٍ يعودُ على الموصُول، وإنما حذف؛ تخفيفاً لطول الكلام، وتقديره عند سيبويه: رَسُولٌ بِهِ مصَدِّقٌ لِمَا معَكُمْ، واللامُ فِي: «لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ» هي اللامُ المتلقِّية للقَسَمِ الذي تضمَّنه أخْذُ الميثاقِ، وفصل بَيْن القَسَم والمُقْسَم عليه بالجارِّ والمجرورِ، وذلك جائِزٌ، وقرأ سائِرُ السَّبْعة «لَمَا»؛ بفتح اللام، وذلك يتخرَّج على وجهين:

أَحدهما: أنْ تكون «مَا» موصولةً في مَوْضع رفع بالابتداء، واللاَّمُ لامُ الابتداء، وهي متلقِّية لما أُجْرِيَ مُجْرَى القَسَم من قوله تعالَىٰ: { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيِّيْنَ } ، وخَبَرُ الابتداءِ قولُهُ: { لَتُؤْمِنُنَّ } ، ولَتُؤْمِنُنَّ: متعلِّق بقَسَمٍ محذوفٍ، فالمعنَىٰ: واللَّهِ، لَتُؤْمِنُنَّ، قاله أبو عَلِيٍّ وهو متَّجِه؛ بأنَّ الحَلِفَ يقع مرَّتين.

والوجْهُ الثاني: أنْ تكونَ «ما» للجزاءِ شرْطاً، فتكون في موضع نصبٍ بالفعلِ الذي بعْدَهَا، وهو مجزومٌ، و «جَاءَكُمْ»: معطوفٌ في موضع جزمٍ، واللام الداخلَةُ عَلَىٰ «مَا» ليسَتِ المتلقِّية للقَسَمِ، ولكنها الموطِّئةُ المُؤْذِنَةُ بمجيءِ لامِ القَسَم، فهي بمَنْزِلَة اللاَّم في قوله تعالى:لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ ٱلْمُنَـٰفِقُونَ } [الأحزاب:60] لأنها مؤذِنَةٌ بمجيء المتلقِّية للقسم في قوله:لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } [الأحزاب:60] وكذلك هذه مؤذنةٌ بمجيء المتلقِّية للقَسَمِ في قوله: «لَتُؤْمِنُنَّ».

وقرأ نافعٌ وحْده: «آتَيْنَاكُمْ»، بالنُّون، وقرأ الباقون: «آتَيْتُكُمْ»؛ بالتاء، ورَسُول؛ في هذه الآية: اسمُ جنسٍ، وقال كثيرٌ من المفَسرين هو نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.

وقوله تعالى: { قَالَ ءأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَىٰ ذٰلِكُمْ إِصْرِي... } هذه الآية: هي وصْفُ توقيفِ الأنبياء - عليهم السلام - على إِقرارهم بهذا الميثاق، وٱلتزامِهِم له، { وَأَخَذْتُمْ }؛ في هذه الآية: عبارةٌ عمَّا تحصَّل لهم من إيتاء الكُتُبِ والحِكْمة، فَمِنْ حيْثُ أخذ عليهم، أخذوا هم أيضًا، وقال الطَّبَرِيُّ: { أَخَذْتُمْ }؛ في هذه الآية: معناه: قَبِلْتُمْ، والإصْر: العَهْد لا تَفْسِير له في هذا الموضع إلا ذَلِكَ.

السابقالتالي
2