الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ آمِنُواْ بِٱلَّذِيۤ أُنْزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ وَٱكْفُرُوۤاْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } * { يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }

وقوله تعالى: { وَقَالَت طَّائِفَةٌ مّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَـٰبِ ءامِنُواْ بِٱلَّذِي أُنزِلَ عَلَى ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَجْهَ ٱلنَّهَارِ... } الآية: أخبر اللَّه سبحانه في هذه الآيةِ أنَّ طائفة من اليهودِ مِنْ أحبارهم ذهَبَتْ إلى خديعة المسلمين بهذا المَنْزَع، قال قتادة وغيره: قال بَعْضُ الأحبار: لنظهر الإيمان بمحمَّد صَدْر النَّهار ثم لنكْفُر به آخر النهار، فسيقول المُسْلِمُون عنْد ذلك: ما بَالُ هؤلاءِ كَانُوا مَعَنا ثم ٱنصَرَفُوا عَنَّا، ما ذاك إِلاَّ لأنهم ٱنْكَشَفَتْ لهم حقيقةٌ في الأمر، فيشكُّون، ولعلَّهم يَرْجِعُون عن الإِيمان بمحمَّد، قال الإِمام الفَخْر: وفي إِخبار اللَّه تعالَىٰ عن تواطئهم علَىٰ هذه الحِيلَةِ من الفائدة وجوهٌ:

الأولُ: أنَّ هذه الحِيلَةَ كَانَتْ مخفيَّةً فيما بينهم، فلما أَخْبَرَ بها عنهم، كان إخباراً بمغيَّب، فيكون مُعْجِزاً.

الثاني: أنه تعالَىٰ، لما أطْلَعَ المؤمنينَ علَىٰ تواطئهم علَىٰ هذه الحيلة، لَمْ يحصل لهذه الحيلة أثرٌ في قلوب المؤمنين، ولولا هذا الإِعلام، لأمكن تأثيرها في قَلْب من ضَعُفَ إِيمانه.

الثالث: أنَّ القوم لما ٱفْتضحُوا في هذه الحيلة، صار ذلكَ رَادِعاً لهم عن الإِقدام علَىٰ أمثالها من الحِيَلِ والتَّلْبِيسِ اهـــ.

وذكر تعالَىٰ عن هذه الطائفةِ مِنْ أَهْل الكتابِ؛ أنهم قالوا: { وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } ، ولا خلافَ أن هذا القول هو مِنْ كلام الطائفةِ، واختلف النَّاسُ في قوله تعالى: { أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } ، فقال مجاهد وغيره مِنْ أهل التأويل: الكلامُ كلُّه من قول الطائفة لأتْباعهم.

وقوله تعالى: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } اعتراضٌ بَيْن الكلامَيْن؛

قال * ع *: والكلامُ علَىٰ هذا التأويل يحتملُ معانِيَ:

أحدها: ولا تصدِّقوا وتؤْمنوا إلاَّ لمن جاء بِمِثْلِ دينِكُمْ؛ حذاراً أنْ يؤتَىٰ أحدٌ من النبوَّة والكرامة مِثْلَ ما أوتيتم، وحِذَاراً أنْ يحاجُّوكم بتصديقِكُمْ إيَّاهم عنْدَ ربِّكم، إذا لم تستمرُّوا عليه، وهذا القولُ علَىٰ هذا المعنَىٰ ثمرةُ الحَسَدِ والكُفْر، مع المَعْرِفَةِ بصحَّة نبوَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم، ويحتملُ الكلام أنْ يكون معناه: ولا تُؤْمنوا بمحمَّد، وتُقِرُّوا بنبوَّته؛ إذ قد علمتم صحَّتها إلا لليهودِ الَّذين هم مِنْكُمْ، و { أَن يُؤْتَىٰ أَحَدٌ مّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ }: صفَةٌ لحالِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، فالمعنَىٰ: تستَّروا بإقراركم أن قَدْ أوتيَ مِثْلَ ما أوتيتم، أو فإنهم (يعنون العربَ) يحاجُّونكم بالإقرار عند ربِّكم.

وقرأ ابنُ كَثيرٍ وحْده مِنْ بَيْنِ السبعة: «آنْ يُؤتى»؛ بالمد: على جهة الاستفهام الَّذي هو تقريرٌ، وفسر أبو عليٍّ قراءة ابن كثيرٍ علَىٰ أنَّ الكلام كلَّه من قول الطائفَةِ إلاَّ الاعتراض الذي هو: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ }؛ فإنه لا يختلفُ؛ أنَّه من قول اللَّه تعالَىٰ لنبيِّه صلى الله عليه وسلم، قال: فلا يجوزُ مع الاستفهام أنْ يحمَلَ: «آن يُؤتَىٰ» علَىٰ ما قبله مِنَ الفَعْلِ؛ لأن الاستفهامَ قاطعٌ، فيجوزُ أنْ تكونَ «أَنْ» في موضِعِ رَفْعٍ بالابتداءِ، وخبرُهُ محذوفٌ، تقديره: تُصدِّقون أو تعترفُون أو تذكِّرونه لغيركم، ونحو هذا ممَّا يدلُّ عليه الكلام.

السابقالتالي
2