الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ فَوْقَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً شَدِيداً فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِّن نَّاصِرِينَ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَاتِ وَٱلذِّكْرِ ٱلْحَكِيمِ }

وقوله تعالى: { إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ... } الآية: ٱختلف في هذا التِّوفِّي.

فقال الرَّبيع: هي وفاةُ نَوْمٍ، وقال الحَسَن وغيره: هو توفِّي قَبْضٍ وتَحْصِيلٍ، أي: قابضك منَ الأرْضِ، ومحصِّلك في السماءِ وقال ابنُ عبَّاس: هي وفاةُ مَوْتٍ، ونحوه لمالك في «العَتَبِيَّة»، وقال وهْبُ بنُ مُنَبِّهٍ: توفَّاه اللَّه بالمَوْتِ ثلاثَ ساعاتٍ، ورفعه فيها، ثُمَّ أحياه بعد ذلك، وقال الفَرَّاء: هي وفاةُ مَوْتٍ، ولكنَّ المعنَىٰ: إني متوفِّيك في آخر أمْرِكَ عنْد نزولِكَ وقَتْلِك الدَّجَّال، ففي الكلامِ تقديمٌ وتأخير.

قال * ع *: وأجمعتِ الأمة علَىٰ ما تضمَّنه الحديثُ المتواتر؛ منْ أنَّ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ في السَّمَاءِ حَيٌّ، وأنه يَنْزِلُ في آخِرِ الزَّمَانِ، فَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَكْسِرُ الصَّلِيبَ، وَيَقْتُلُ الدَّجَّالَ، وَيُفِيضُ العَدْلَ، وَيُظْهِرُ هَذِهِ المِلَّةَ مِلَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم؛ ويَححُجُّ البَيْتَ, ويَعْتَمِرُ، ويَبْقَىٰ في الأَرْضِ أَرْبَعاً وَعِشْرِينَ سَنَةً، وَقِيلَ: أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ يُمَيتُهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ.

قال * ع *: فقول ابن عباس: هي وفاةُ مَوْتٍ لا بدَّ أنْ يتمِّم إما علَىٰ قول وهْبِ بن مُنَبِّهٍ، وإما على قول الفَرَّاء.

وقوله تعالى: { وَرَافِعُكَ إِلَيَّ } عبارةٌ عَنْ نَقْلِهِ من سُفْلٍ إلى عُلْو، وإضافة اللَّه سبحانه إضافةُ تشريفٍ، وإلا فمعلومٌ أنه سبحانه غَيْرُ متحيِّزٍ في جهةٍ، { وَمُطَهِّرُكَ } ، أي: مِنْ: دعاوى الكَفَرَةِ ومعاشَرَتِهِمْ.

وقوله: { وَجَاعِلُ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُوكَ } الآية: قال جمهورُ المفسِّرين بعموم اللفظ في المتَّبِعِينَ، فتدخُلُ في ذلك أمةُ محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ لأنها مُتَّبِعَةٌ لعيسَىٰ؛ قاله قتادة وغيره؛ وكذلك قالوا بعموم اللفظِ في الكَافِرِينَ، فمقتضَى الآيَةِ إعلامُ عيسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ؛ أنَّ أهْلَ الإيمانِ به، كما يجب، هم فوق الذين كَفَرُوا بالحُجَّة، والبُرْهَان، والعِزِّ والغَلَبَةِ، ويظْهَرُ منْ عبارة ابن جُرَيْج وغيره؛ أنَّ المراد المتبعون لَهُ في وقْتِ ٱستنصاره، وهم الحواريُّون.

وقوله تعالَىٰ: { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ } خَطَابٌ لعيسَىٰ، والمرادُ: الإخبار بالقيامة، والحَشْرِ، وباقي الآيةِ بيِّن، وتوفيةُ الأجور هي قَسْم المَنَازِلِ في الجَنَّة، فذلك هو بحَسَب الأعمال، وأما نَفْسُ دخولِ الجَنَّةَ، فبرحْمَةِ اللَّه وتفضُّله سبحانه.

وقوله تعالى: { ذٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الآيَـٰتِ } الآية: «ذَلِكَ»: إشارة إلى ما تقدَّم من الأنباء، و { نَتْلُوهُ }: معناه: نَسْرُدُهُ، و { مِنَ ٱلآيَـٰتِ }: ظاهره آيات القُرآن، ويحتملُ أنْ يريدَ: من المعجزاتِ والمُسْتَغْرَبَاتِ؛ أن تأتيهم بهذه الغُيُوبِ من قِبَلِنَا، وبسبَبِ تلاوتنا، و { ٱلذِّكْرِ }: ما ينزلُ من عند اللَّه. قال ابن عبَّاس: الذِّكْر: القرآن، و { ٱلْحَكِيمُ }: الذي قد كَمَل في حكمته.