الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ } * { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً... } الآية: لما مضَىٰ صدْرٌ مِنْ مُحَاجَّةِ نصارَىٰ نَجْرَانَ، والردُّ عليهم وبيانُ فسادِ ما هُمْ عليه، جاءَتْ هذه الآياتُ مُعْلِمَةً بصورةِ الأمر الذي قد ضَلُّوا فيه، ومُنْبِئَةً عن حقيقته، كيف كانَتْ، فبدأ تعالَىٰ بذكْرِ فضْل آدم ومَنْ ذُكِرَ بعده، ثم خَصَّ امرأة عِمْرَانَ بالذكْرِ؛ لأنَّ القصْدَ وصْفُ قصَّة القَوْم إِلى أنْ يبيِّن أمر عيسَىٰ (عليه السلام)، وكيف كان، وٱنصرف «نُوحٌ»، مع عُجْمَتِهِ وتعريفِهِ؛ لخفَّة الاِسم؛ كَهُودٍ وَلُوطٍ، قال الفَخْرُ هنا: ٱعلَمْ أنَّ المخلوقاتِ علَىٰ قسمَيْنِ: مكلَّفٍ، وغيْرِ مكلَّفٍ، واتفقوا علَىٰ أنَّ المكلَّف أفْضَلُ من غير المكلَّفِ، واتفقوا على أنَّ أصنافَ المكلَّفين أربعةٌ: الملائكةُ، والإِنْسُ، والْجِنُّ، والشَّيَاطِين.

* ت *: تأمَّلْه جَعَلَ الشياطين قسيماً للجِنِّ. اهـ.

والآلُ؛ في اللغة: الأَهْلُ، والقَرَابَة، ويقال للأَتْبَاعِ، وأهل الطَّاعة: آل، والآلُ؛ في الآيةِ: يحتملُ الوجهَيْنِ، فَإِنْ أُريدَ بالآلِ: القَرَابَةُ، فالتقديرُ أنَّ اللَّهَ ٱصطفَىٰ هؤلاءِ على عَالِمِي زمانِهِمْ، أو على العَالَمِينَ جميعاً؛ بأنْ يقدَّر نبيُّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم من آل إِبراهيم، وإِن أُرِيدَ بالآلِ: الأَتْبَاعُ، فيستقيمُ دُخُول أمَّة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم في الآلِ؛ لأنها علَىٰ ملَّةِ إِبراهيم.

وقوله تعالى: { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ } ، أي: متشابهينَ في الدِّين، والحالِ، وعِمْرَانُ هو رجلٌ من بني إِسرائيل، وامرأة عِمْرَانَ ٱسمُها حَنَّةُ، ومعنَىٰ: { نَذَرْتُ }: جعلْتُ لكَ ما في بطْنِي محرَّراً، أي: حَبِيساً علَىٰ خدْمةِ بَيْتِكَ، محرَّراً من كلِّ خدمةً وشُغْلٍ من أشغال الدنيا، والبَيْتُ الذي نَذَرَتْهُ له هو بَيْتُ المَقْدِسِ، { فَتَقَبَّلْ مِنِّي } ، أي: ٱرْضَ عَنِّي في ذلِكَ، وٱجعلْه فعلاً مقبولاً مُجَازًى به، و { ٱلسَّمِيعُ }: إِشارةٌ إِلى دعائها، و { ٱلْعَلِيمُ }: إِشارةٌ إلى نيَّتها.