الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَوْ كَانُواْ غُزًّى لَّوْ كَانُواْ عِنْدَنَا مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَٱللَّهُ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } * { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى ٱلله تُحْشَرُونَ }

وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَقَالُواْ لإِخْوٰنِهِمْ... } الآية: نَهَى اللَّه المؤمنِينَ؛ أنْ يكونوا مثل الكفَّار المنافقين في هذا المعتقَدِ الفاسِدِ الذي هو أنَّ من سافر في تجارةٍ ونحوها، ومَنْ قَاتَلَ فَقُتِلَ، لو قعد في بَيْته لعاش، ولم يَمُتْ في ذلك الوَقْتِ الذي عَرَّض فيه نَفْسه للسَّفَر أو للقِتَال، وهذا هو مُعْتَقَدُ المعتزلة في القَوْل بالأَجَلَيْنِ، أو نحو منْه، وصرَّح بهذ المقالة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِيٍّ المُنَافِقُ، وأصحابه؛ قاله مجاهد وغيره، والضَّرْبُ في الأرض: السيرُ في التِّجَارة، وغُزًّى: جمعُ غازٍ.

وقوله تعالى: { لِيَجْعَلَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ } الإشارةُ بـ «ذَلِكَ» إلى هذا المعتقد الَّذى جعله اللَّه حَسْرةً لهم؛ لأن الذي يتيقن أنَّ كل قَتْل ومَوْت، إنما هو بأجَلٍ سابقٍ يجدُ برد اليأسِ والتسليمِ للَّه سبحانه على قلبه، والذي يَعْتَقِدُ أنَّ حميمه لو قعد في بَيْته، لم يَمْتُ، يتحسَّر ويتلهَّف؛ وعلى هذا التأويل، مَشَى المتأوِّلونَ، وهو أظهرُ مَا في الآية، والتحسُّرُ: التلهُّفُ على الشي، والغَمُّ به.

وقوله سبحانه: { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } توكيدٌ للنهيْ في قوله: { لاَ تَكُونُواْ } ووعيدٌ لمن خالفه، ووَعْدٌ لمن ٱمتثله.

وقوله سبحانه: { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ أَوْ مُتُّمْ } اللامُ في { وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ } هي المؤذنةُ بمَجِيءِ القَسَمِ، واللامُ في قوله: { لَمَغْفِرَةٌ } هي المتلقِّية للقَسَمِ، والتقديرُ: واللَّهِ، لمغفرةٌ وترتَّب المَوْتُ قبل القَتْل في قوله تعالى: { مَا مَاتُواْ وَمَا قُتِلُواْ }؛ مراعاةً لترتُّب الضَّرْب في الأرض والغَزْو، وقدَّم القَتْل هنا؛ لأنَّه الأشرف الأهمُّ، ثم قدَّم المَوْتَ في قوله تعالى: { وَلَئِنْ مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ }؛ لأنها آية وعظٍ بالآخرةِ والحَشْرِ، وآيةُ تزهيدٍ في الدنْيَا والحَيَاةِ، وفي الآيةِ تحقيرٌ لأمر الدنيا، وحضٌّ على طَلَبِ الشهادةِ، والمعنَىٰ: إذا كان الحَشْر لا بُدَّ في كِلاَ الأمْرَيْن، فالمضيُّ إليه في حالِ شهادةٍ أَوْلَىٰ؛ وعَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ، أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَإنْ مَاتَ عَلَىٰ فِرَاشِهِ " ، رواه الجماعةُ إلاَّ البخاريَّ، وعن أنَسٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقاً، أُعْطِيِهَا، وَلَوْ لَمْ تُصْبْهُ " ، انفرد به مُسْلم. انتهى من «سلاح المؤمن».