الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ } * { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلاَكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّاصِرِينَ } * { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَىٰ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِّن بَعْدِ مَآ أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ }

وقوله سبحانه: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن تُطِيعُواْ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ، يعني: المنافقين الذين خَيَّبوا المسلمين، وقالوا في أمر أُحُد: لو كان محمَّد نبيًّا، لم ينهزم.

وقوله سبحانه: { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّـٰصِرِينَ } هذا تثبيتٌ لهم، وقوله سبحانه: { سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } سبب هذه الآيةِ أنه لما ارتحَلَ أبُو سُفْيان بالكفَّار، رجع النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينةِ، فتجهَّز، واتبع المشركِينَ، وكان مَعْبَدُ بْنُ أبي مَعْبَدٍ الخُزَاعِيُّ قد جاء إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ، لَقَدْ سَاءَنَا مَا أَصَابَكَ، وَكَانَتْ خُزَاعَةُ تَمِيلُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ رَكِبَ مَعْبَدٌ؛ حَتَّىٰ لَحِقَ بِأَبِي سُفْيَانَ، فَلَمَّا رَأَىٰ أَبُو سُفْيَانَ مَعْبَداً، قَالَ: مَا وَرَاءَكَ، يَا مَعْبَدُ؟ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أصْحَابِهِ يَطْلُبُكُمْ فِي جَمْعٍ لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، يَتَحَرَّقُونَ عَلَيْكُمْ قَدِ ٱجْتَمَعَ مَعَهُ مَنْ كَانَ تَخَلَّفَ عَنْهُ، ونَدِمُوا عَلَىٰ مَا صَنَعُوا، قَالَ: وَيْلَك! مَا تَقُولُ؟ قَالَ: وَاللَّهِ، مَا أَرَاكَ أَنْ تَرْحَلَ حَتَّىٰ تَرَىٰ نَوَاصِيَ الخَيْلِ، قَالَ: فَوَاللَّهِ، لَقَدْ أَجْمَعْنَا الكَرَّةَ إلَيْهِمْ، قَالَ: فَإنِّي أَنْهَاكَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَاللَّهِ، لَقَدْ حَمَلَنِي مَا رَأَيْتُ عَلَىٰ أَنْ قُلْتُ فِيهِمْ شِعْراً، قَالَ: وَمَا قُلْتَ؟ قَالَ: قُلْتُ: [البسيط]
كَادَتْ تَهُدُّ مِنَ الأَصْوَاتِ رَاحِلَتِي   إذْ سَالَتِ الأَرْضُ بِالجُرْدِ الأَبَابِيلِ
تَرْدِي بِأُسْدٍ كِرَامٍ لاَ تَنَابِلَةٍ   عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلاَ مِيلٍ مَعَازِيلِ
فَظَلْتُ عَدْواً أَظُنُّ الأَرْضَ مَائِلَة   لَمَّا سَمَوْا بِرَئيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ
إلى آخر الشِّعْر، فألقى اللَّه الرُّعْبَ في قلوبِ الكفَّارِ، وقالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّة: لاَ تَرْجِعُوا فإني أرَىٰ أنه سيكُونُ للقَوْمِ قِتَالٌ غَيْرُ الذي كَانَ، فنَزَلَتِ الآيةُ في هذا الإلقاء، وهي بَعْدُ متناولَةٌ كلَّ كافرٍ؛ قال الفَخْر: لأنه لا أحد يخالفُ دِينَ الإسلام، إلا وَفِي قلبه خَوْفٌ من الرُّعْب، إما عند الحَرْب، وإما عند المُحَاجَّة. انتهى.

وقوله سبحانه: { بِمَا أَشْرَكُواْ } ، هذه باءُ السَّبَبِ، والسُّلْطَانُ: الحُجَّة والبُرْهَان.

قال * ص *: قوله: { وَبِئْسَ } ، المخصوصُ بالذَّمِّ محذوفٌ، أي: النار [انتهى].

وقوله سبحانه: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } ، جاء الخطَابُ لجميعِ المؤمنينَ، وإن كانَتِ الأمور التي عاتبهم سبحانه علَيْها، لم يقَعْ فيها جميعُهم؛ ولذلك وجوهٌ من الفصاحةِ، منْها: وعْظ الجميع، وزجْرُه؛ إذ مَنْ لم يفعلْ مُعَدٌّ أنْ يفعل؛ إن لم يزجر، ومنها: السَّتْر والإبقاء علَىٰ من فعل، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم قد وَعَدَ المؤمِنِينَ النَّصْرَ يَومَئِذٍ علَىٰ خبر اللَّه؛ إنْ صَبَرُوا وجَدُّوا، فصَدَقَهُم اللَّه وعْدَه؛ وذلك أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم صَافَّ المشركين يومئذ، ورتَّب الرماة، علَىٰ ما قَدْ ذكَرْناه قَبْلَ هذا، وٱشتعلَتْ نارُ الحَرْب، وأَبْلَىٰ حمزةُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وأَبُو دُجَانَةَ، وعليٌّ، وعَاصِمُ بْنُ أَبِي الأَقْلَحِ، وغيرُهم، وٱنهزَم المشركُونَ، وقُتِلَ منهم ٱثنانِ وعشْرُونَ رجُلاً، فهذا معنَىٰ قوله عز وجل: { إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ } ، والحَسُّ: القتل الذَّريعُ، يقال: حَسَّهُمْ إذا ٱستأصلهم قتْلاً، وحَسَّ البَرْدُ النَّباتَ.

السابقالتالي
2