الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَاتِ مِنَ ٱلنِّسَاءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَاطِيرِ ٱلْمُقَنْطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلأَنْعَامِ وَٱلْحَرْثِ ذٰلِكَ مَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَٱللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ ٱلْمَآبِ } * { قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن ذٰلِكُمْ لِلَّذِينَ ٱتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ } * { ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ إِنَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ } * { ٱلصَّابِرِينَ وَٱلصَّادِقِينَ وَٱلْقَانِتِينَ وَٱلْمُنْفِقِينَ وَٱلْمُسْتَغْفِرِينَ بِٱلأَسْحَارِ }

وقوله تعالى: { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَٰتِ... } الآيةُ هذه الآيةُ ابتداءُ وعظٍ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخٌ، والشهواتُ ذميمةٌ، وٱتباعها مُرْدٍ، وطاعتها مَهْلَكَةٌ، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " حُفَّتِ النَّارُ بِالشَّهَوَاتِ، وَحُفَّتِ الجَنَّةُ بِالمَكَارِهِ " ، فَحَسْبُكَ أَنَّ النَّارَ حُفَّتْ بِهَا، فمَنْ واقعها، خلص إِلى النَّار، قلْتُ: وقد جاءت أحاديثٌ كثيرةٌ في التزْهِيدِ في الدنيا، ذكَرْنا من صحيحها وحَسَنِهَا في هذا المُخْتَصَرِ جملةً صالحةً لا توجد في غيره من التَّفَاسير، فعلَيْكَ بتحصيله، فتَطَّلعَ فيه على جواهرَ نفيسةٍ، لا توجَدُ مجموعةً في غيره؛ كما هي بحَمْدِ اللَّه حاصلةٌ فيه، وكيف لا يكونُ هذا المختصر فائقاً في الحُسْن، وأحاديثه بحَمْد اللَّه مختارةٌ، أكثرها من أصولِ الإسلامِ الستَّةِ: البخاريِّ، ومسلمٍ، وأبي داود، والتِّرمذيِّ، والنَّسائِيِّ، وابنِ مَاجَة، فهذه أصول الإِسلام، ثم مِنْ غيرها؛ كصحيح ٱبْنِ حِبَّانَ، وصحيح الحاكمِ، أعني: «المُسْتَدْرَكَ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ»، وأَبِي عَوَانَةَ، وابْنِ خُزَيْمَةَ، والدَّارِمِيِّ، وَالمُوَطَّإِ، وغيرِها من المسانيدِ المشهورةِ بيْن أئمَّة الحديثِ؛ حَسْبما هو معلومٌ في علْمِ الحديث، وقصْدِي من هذا نُصْحُ من اطلع على هذا الكتاب أنْ يعلم قَدْرَ ما أنعم اللَّه به علَيْه، فإِن التحدُّث بالنعم شُكْر، ولنرجَعْ إلى ما قصدناه من نَقْلِ الأحاديث:

روى الترمذيُّ عن عَائِشَةَ ـــ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـــ قَالَتْ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إِنْ أَرَدتِّ اللُّحُوقَ بِي، فَلْيَكْفِيكِ مِنَ الدُّنْيَا، كَزَادِ الرَّاكِبَ، وإِيَّاكِ وَمُجَالَسَةَ الأَغْنِيَاءِ، وَلاَ تَسْتَخْلِفِي ثَوْباً حَتَّىٰ تَرْقَعِيهِ " حديث غَرِيبٌ، وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إِنَّ البَذَاذَةَ مِنَ الإِيمَانِ " ، خرَّجه أبو داود وقد نقله البغويُّ في «مصابيحه»، والبَذَاذَةُ: هي رث الهَيْئَة. اهـ و { القَناطير }: جمع قِنْطَارٍ، وهو العُقْدة الكثيرةُ من المال؛ واختلف النَّاس في تحريرِ حَدِّه، وأصحُّ الأقوالِ فيه: ما رواه أُبَيُّ ابنُ كَعْبٍ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ أنَّهُ قَالَ: " القِنْطَارُ أَلْفٌ ومِائَتَا أُوقِيَّةٍ " ، لكنَّ القنْطارَ على هذا يختلفُ بٱختلافِ البلادِ في قَدْر الأَوقِيَّةِ.

وقوله: { ٱلْمُقَنطَرَةِ } ، قال الطبريُّ: معناه: المُضَعَّفة، وقال الربيعُ: المالُ الكثيرُ بعْضُه علَىٰ بعض.

* ص *: { ٱلْمُقَنطَرَةِ }: مُفَعْلَلَة، أو مُفَنْعَلَة؛ مِن القِنْطَار، ومعناه: المجتمعة.

* م *: أبو البقاء: و { مِنَ ٱلذَّهَبِ }: في موضعِ الحالِ من { ٱلْمُقَنطَرَةِ } اهـ.

وقوله: { ٱلْمُسَوَّمَةِ }: قال مجاهدٌ: معناه المُطَهَّمة الحِسَان، وقال ابن عبَّاس وغيره: معناه: الراعيَةُ، وقيل: المُعَدَّة، { وَٱلأَنْعَـٰمِ }: الأصنافُ الأربعةُ: الإِبلُ، والبَقَرُ، والضَّأْنُ، والمَعْز.

* ص *: والأنعامُ: واحدُها نَعَمٌ، والنَّعَمُ: الإِبل فقَطْ، وإِذا جُمِعَ، ٱنطلق على الإِبلِ والبقرِ والغنمِ. اهـ.

{ وَٱلْحَرْثِ }: هنا اسمٌ لكلِّ ما يُحْرَثُ من حَبٍّ وغيره، والمَتَاعُ: ما يستمتعُ به، وينتفعُ مدَّةً مَّا منحصرة، و { ٱلْمَآبِ }: المَرْجِعُ، فمعنى الآية: تقليلُ أمر الدُّنيا وتحقيرُها، والترغيبُ في حُسْن المَرْجِع إِلى اللَّه تعالَىٰ.

السابقالتالي
2