الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَآءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ } * { هَآأَنْتُمْ أُوْلاۤءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

وقوله تعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً } ، أي: لا تتَّخذوا من الكفَّارِ، واليهودِ، والمنافقينَ أخلاَّء تأنَسُونَ بهم في الباطنِ، وتفاوضونهم في الآراء.

وقوله سبحانه: { مّن دُونِكُمْ } ، يعني: مِنْ دُونِ المؤمنين.

وقوله سبحانه: { لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً }: معناه: لا يقصِّرون لكم فيما فيه فسادٌ عليكم، تقُول: ما أَلَوْتُ فِي كَذَا، أيْ: ما قصَّرت، بل ٱجتهدتُّ، والخبالُ: الفسادُ، قال ابن عبَّاس: كان رجالٌ من المؤمنين يواصِلُون رجالاً من اليهودِ للْحِلْفِ والجِوَارِ الذي كان بَيْنهم في الجاهليَّة، فنزلَتِ الآية في ذلك، وقال ابنُ عبَّاس أيضاً، وقتادة، والرَّبِيع، والسُّدِّيُّ: نزلَتْ في المنافقين.

قال * ع *: ويدخُلُ في هذه الآية ٱستكْتَابُ أهل الذِّمَّة، وتصريفُهم في البَيْع والشِّراء، ونَحْو ذلك، و «ما» في قوله: { مَا عَنِتُّمْ }: مصدريةٌ، فالمعنى: وَدُّوا عَنَتَكُمْ، والعَنَتُ: المشقَّة والمكروه يلقاه المرءُ، وعَقَبَةٌ عَنُوتٌ، أي: شاقَّة.

قال * ص *: قال الزجَّاج: عَنَتَكُمْ، أي: مشقَّتَكُم، وقال ابنُ جَرِيرٍ: ضلاَلَكُمْ، وقال الزُّبَيْدِيُّ: العَنَتُ: الهلاك. اهـــ.

وقوله تعالى: { قَدْ بَدَتِ ٱلْبَغْضَاء مِنْ أَفْوٰهِهِمْ } ، أي: فهم فوق المستَتِر الَّذي تبدو البغضاءُ في عينيه، وخصَّ سبحانه الأفواه بالذكْرِ دون الألسنة إشارةً إلى تشدُّقهم وثَرْثَرَتِهِمْ في أقوالهم هذه، ثمَّ قال سبحانه للمؤمنين: { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَـٰتِ إِنْ كُنتُمْ تَعْقِلُونَ }؛ تحْذيراً وتنبيهاً، وقد عَلِمَ سبحانه؛ أنهم عقلاء، ولكن هذا هَزٌّ للنفوس، كما تقول: إنْ كُنْتَ رَجُلاً، فٱفعل كذا وكذا.

وقوله: { هَـٰأَنْتُمْ أُوْلآءِ تُحِبُّونَهُمْ }: الضمير في «تُحِبُّونهم» للذين تقدَّم ذكْرُهم في قوله: { بِطَانَةً مّن دُونِكُمْ } ، قال: * ص *: { وَتُؤْمِنُونَ بِٱلْكِتَـٰبِ كُلّهِ } ، قال أبو البقاء: الكِتَاب، هنا: جنس، أيْ: بالكتب كلِّها. اهـــ.

وقوله تعالى: { عَضُّواْ عَلَيْكُمُ ٱلأَنَامِلَ مِنَ ٱلْغَيْظِ }: عبارةٌ عن شدَّة الغيظِ، مع عدم القُدْرة على إنفاذه؛ ومنه قولُ أبي طَالِبٍ: [الطويل]
...................   يَعَضُّونَ غَيْظاً خَلْفَنَا بِالأَنَامِلِ
وقوله سبحانه: { قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ } قال فيه الطبريُّ، وكثيرٌ من المفسِّرين: هو دعاءٌ عليهم، وقال قومٌ: بل أمر النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأمَّتَه أنْ يواجهُوهم بهذا؛ فعلَى هذا زال معْنَى الدعاء، وبَقِيَ معنى التقْرِيعِ.

وقوله تعالى: { إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }: وعيدٌ و { ذَاتَ ٱلصُّدُورِ }: ما تنطوِي عليه.