الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ } * { وَإِذَا يُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدْرَؤُنَ بِٱلْحَسَنَةِ ٱلسَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } * { وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَاهِلِينَ } * { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ } * { وَقَالُوۤاْ إِن نَّتَّبِعِ ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَآ أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقاً مِّن لَّدُنَّا وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلاَّ قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ ٱلْوَارِثِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِيۤ أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي ٱلْقُرَىٰ إِلاَّ وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ } * { وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

وقوله تعالى: { وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ ٱلْقَوْلَ... } الآية؛ الذينَ وصَّلَ لَهُمُ القَوْلَ: همْ قريشٌ؛ قاله مجاهد وغيره، قال الجمهورُ: والمعنى: وَاصَلْنَا لهم في القرآن، وتابعناه موصولاً بعضُه ببعضٍ في المواعظ والزواجر، والدعاء، إلى الإسلام. وذهبت فرقةٌ إلى: أنَّ الإشارة بتوصيلِ القولِ إنما هي إلى الألفاظ، فالمعنى: ولقد وصَّلنا لهم قَوْلاً مُعْجِزاً دالاًّ على نُبُوءَتِكَ.

قال * ع *: والمعنى الأولُ تقديره: ولقد وصلنا لهم قولاً يَتَضَمَّنُ معان؛ مَنْ تَدَبَّرَهَا اهْتَدَى. ثم ذكر ـــ تعالى ـــ القومَ الذينَ آمنوا بمحمدٍ مِنْ أهلِ الكتاب مُبَاهِياً بهم قريشاً. واختُلِفَ في تَعيينهم فقال الزهري: الإشَارَةُ: إلى النَّجَاشِيِّ.

وقيل: إلى سلمان، وابن سلام، وأسند الطبريُّ إلى رفاعة القرظي، قال: نزلت هذه الآيةُ في اليهود في عَشْرَةٍ أَنَا أَحَدُهُمْ، أَسْلَمْنَا فَأُوذِينَا؛ فنزلت فينا هذه الآية. والضَّمِيرُ فِي { قبله } يعودُ على القرآن. و { أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ } معناه: على مِلَّتَيْنِ؛ وهذا المعنى هو الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم " ثَلاَثَةٌ يُؤْتُونَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ؛ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمن بِنَبِيِّهِ وآمن بِيَّ... " الحديث. و { يَدْرَءُونَ } معناه: يَدْفَعُونَ؛ وهذا وصفٌ لمكَارِمِ الأخلاقَ، أي: يتغابون ومن قال لهم سوءًا لاَ يَنُوهُ وقَابَلُوهُ من القول الحسِن بما يَدْفَعُه، واللغْوُ سَقَطُ القولِ، والقولُ يَسْقُط لوجوهٍ يَعِزُّ حَصْرُها، والمرادُ منه في الآيةِ: ما كان سبّاً وأذًى ونحوَه؛ فأدبُ الإسلام الإعراضُ عنه. و { سَلاَمٌ } في هذا الموضِع قُصِدَ به المَتَارَكةُ لا التَّحِيَّةُ. قال الزَّجاج: وهذا قبلَ الأمر بالقِتَال، و { لاَ نَبْتَغِي ٱلْجَـٰهِلِينَ } معناه: لا نَطْلُبُهُمْ للجِدَالِ والمراجعة والمشاتمة.

* ت *: قال ابن المباركِ في «رقائقه»: أخبرنا حبيبُ بنُ حجر القيسي، قال: كان يقال: ما أحْسَنَ الإِيمَانَ يَزِينُه العلمُ، وما أحْسَنَ العِلمَ يَزِينُه العَمَلُ، وما أَحْسَنَ العَمَلَ يَزِينُه الرِّفْقُ، وَما أضفت إلى شَيء، مِثْلَ حِلْمٍ إلى عِلْمٍ، انتهى. وأجْمَعَ جُلُّ المفسرينَ على أنَّ قولَه تعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ } إنما نَزَلَتْ في شَأْنِ أَبي طالب، فَرَوى أبو هريرةَ وغيرُه " أن النبي صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَقَالَ لَهُ: أَيْ عَمٍّ، قُلْ: لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، كَلِمَةً أشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللّهِ... " الحديثُ قد ذَكَرناه في سورة: «براءَة»، فَماتَ أبو طالبٍ على كُفْرِه، فَنَزَلَتْ هذه الآيةُ فيه.

قالَ أبو روق: قوله تعالى: { وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ } إشارة إلى العباسِ، والضميرُ في قوله { وَقَالوا } لقريش.

قال ابن عباس: والمُتَكَلِّمُ بذلك فيهم الحارثُ بن نوفَلِ، وحكى الثعلبيُّ أنه قالَ له: إنا لنعلم أن الذي تقولُ حَقٌّ وَلَكِنْ إن اتبَعْنَاكَ تَخَطَّفَتْنَا العربُ. و { تُجْبى }: معناه: تُجْمَعُ وتُجْلَبُ.

وقوله: { كُلِّ شَيْءٍ } يريد مما به صلاحُ حالهِم، ثم توعَّدَ قريشاً بقوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ } و { بَطِرَتْ } معناه: سَفِهَت وأشِرَتْ وطَغَتْ؛ قاله ابن زيد وغيره.

السابقالتالي
2