وقوله تعالى: { وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ } تُلَقَّى: مضاعفُ لَقِيَ يَلْقَى، ومعناه تُعْطَى، كما قَال:{ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ } [فصلت:35].
وهذه الآيةُ ردٌّ على كُفَّارِ قُرَيْشٍ في قَوْلهم: إنَّ القُرْآن مِن تلقاءِ مُحَمَّدٍ؛ و { مِن لَّدُنْ } معناه: مِن عِنْدِهِ؛ وَمِنْ جِهَتِهِ. ثم قَصَّ ـــ تعالى ـــ خَبرَ موسى؛ حين خَرَجَ بزوجِه؛ بنت شُعيب عَليهِ السَّلاَمُ يُرِيدُ مصرَ، وقد تقدَّم في «طه» قصصُ الآيةِ.
وقوله: { سَآتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ... } الآية، أصلُ الشِّهَاب: الكوكبُ المنقضُّ فأثر مسترقِ السمعِ؛ وكل ما يُقال له «شهابٌ» من المنيرات؛ فعلى التَّشْبِيهِ، والقبسُ: يُحْتَمَلُ أَنْ يكون اسماً، ويُحْتملُ أن يكونَ صفةً. وقرأ الجمهورُ بإضافة «شِهَابٍ» إلى «قَبَسٍ»، وقرأ حَمزَةُ والكِسائِيُّ وعاصمُ بتنوينِ «شِهَابٍ قَبَسٍ»: فَهَذَا على الصِّفَةِ.
* ص *: وقوله: { جَاءَهَا } ضميرُ المفعولِ، عائدٌ على النَّارِ، وقيل على الشَّجَرَةِ، انتهى. و { بُورِكَ } معناه: قُدِّسَ ونُمِيَ خَيْرُه، والبركة، مختصَّة بالخير.
وقولهِ تعالى: { مَن فِي ٱلنَّارِ } قال ابنُ عباس: أرادَ النُّورَ، وقال الحسنُ وابنُ عباس: وأراد بـ { مَنْ حَولَهَا } الملائكةٍ وموسى.
قال * ع *: ويُحتمَلُ أن تكونَ { مَنْ } للملائكةِ؛ لأن ذلكَ النورَ الذي حَسِبَه موسى ناراً؛ لم يخْلُ من ملائكة، { وَمَنْ حَوْلَهَا } لموسَى والمَلائِكَةِ المُطِيفينَ بهِ.
وقرأ أُبَيُّ بنُ كعب «أن بُوركَتِ النَّارُ وَمَنْ حَولَها».
وقوله تعالى: { وسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٱلَمِينَ } ، هو تنزيهٌ للَّه تعالى مما عَسَاهُ أن يَخْطُرَ ببالٍ؛ وفي معنى النِّداءِ من الشَّجَرَةِ، أي: هو منزَّه عن جَميعِ ما تَتَوَّهَمهُ الأَوهَامُ؛ وعنِ التَّشبيهِ والتَّكْيِيفِ، والضميرُ في { إِنَّهُ } للأمرِ والشأنِ.