الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً }

وقوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ إِذَا أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ... } الآية: عبارة أكثر المفسرين أَنَّ الذي لا يُسْرِفُ هو المُنْفِقُ في الطاعة وإنْ أفرط، والمُسْرِفَ هو المُنْفِقُ في المعصية وإنْ قَلَّ إنفاقهُ، وإنَّ الْمُقتِرَ هو الذي يمنع حَقّاً عليه؛ وهذا قول ابن عباس وغيره، والوجه أَنْ يقال: إنَّ النفقة في المعصية أمر قد حَظَرَتِ الشريعةُ قليلَه وكثيره، وهؤلاءِ الموصوفون مُنَزَّهُونَ عن ذلك، وإنَّما التأديب بهذه الآية هو في نفقة الطاعات والمُبَاحَاتِ، فأدب الشريعة فيها إلاَّ يفرط الإنسانِ حتى يُضَيِّعَ حَقّاً آخر أو عيالاً ونحوَ هذا، أَلاَّ يُضَيِّقَ أَيضاً ويقتر حتى يجيع العيالَ ويفرط في الشُّحِّ، والحَسَنُ في ذلك هو القوام، أي: المعتدل، والقوام في كل واحد بحسب عياله وحاله، وخير الأمور أوساطها؛ ولهذا ترك النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أبا بكْرٍ الصِّدِّيقَ يَتَصَدَّقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لأَنَّ ذلك وَسَطٌ بنسبة جَلَدِهِ وَصَبْرِهِ في الدِّينِ، ومنع غيره من ذلك.

وقال عبد الملك بن مروان لعمرَ بن عبد العزيز حين زَوَّجَه ابنته فاطمة: مَا نَفَقَتُكَ؟ فقال له عمر: الحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْنِ، ثم تلا الآية، وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه كفى بالمرء سَرَفاً أَلاَّ يشتهيَ شيئاً إلاَّ ٱشْتَرَاهُ فَأَكَلَهُ. و { قَوَاماً }: خبر { كَانَ } واسمها مُقَدَّرٌ، أي: الإنفاق.