الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } * { وَعِبَادُ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىٰ ٱلأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً }

{ وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفِةً } أي: هذا يَخْلُفُ هذا، وهذا يخلف هذا، قال مجاهد وغيره: { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ } أي: يعتبر بالمصنوعات ويشكرَ اللّه تعالى على آلائه، وقال عمر وابن عباس والحسن: معناه: لمن أراد أَنْ يَذْكُرَ ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه، وقرأ حمزة وحده: «يذْكُرُ» بسكون الذال وضم الكاف، ثم لما قال تعالى: { لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } جاء بصفات عباده الذين هم أهل التذكرة والشكور.

وقوله: { ٱلَّذِين يَمْشُونَ }. خبر مبتدإ، والمعنى: وعباده حَقُّ عباده هم الذين يمشون.

وقوله: { يَمْشُونَ عَلَى ٱلأَرْضِ } عبارة عن عيشهم ومُدَّةِ حياتهم وَتَصَرُّفَاتِهم، و { هَوناً } بمعنى أَنَّ أمرهم كله هَيِّنُ، أي: ليِّنٌ حسن؛ قال مجاهد: بالحلم والوقار.

وقال ابن عباس بالطاعة والعَفَاف والتواضع، وقال الحسن: حُلَمَاءُ، إنْ جُهلَ عليهم لم يجهلوا.

قال الثعلبيُّ: قال الحسن: يمشون حلماء علماء مثلَ الأنبياء، لا يؤذون الذَّرَّ في سكونٍ وتواضع وخشوع، وهو ضدُّ المُخْتَالُ الفخور الذي يختال في مشيه، اهــ.

قال عياض في صفة نَبِيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم: يخطو تكفُّؤاً، ويمشي هوناً، كأنَّما ينحطُّ من صبب، انتهى من «الشفا».

قال أبو حيان: { هَوناً }: نعت لمصدر محذوف، أي: مشياً هوناً، أول حال، أي: هَيِّنِينَ، انتهى، وروى الترمذيُّ عن ابن مسعود أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَىٰ كُلِّ قَرِيبٍ، هَيِّنٍ، سَهْلٍ " ، قال أَبو عيسَىٰ: هذا حديث حسن، انتهى.

{ وَإِذا خَاطَبَهُمُ ٱلْجَـٰهِلُونَ قَالُوا سَلَـٰماً } العامل في { سلاماً } { قالوا } ، والمعنى: قالوا هذا اللفظ، وقال مجاهد: معنى { سلاماً }: قولاً سداداً، أي: يقول للجاهل كلاماً يدفعه به برفقٍ ولينٍ، وهذه الآية كانت قبل آية السيف فَنُسِخَ منها ما يَخُصُّ الكَفَرَةَ، وَبَقِيَ أَدبها في المسلمين إلى يوم القيامة، قال صاحب «الحكم الفارقية»: إذا نازعك إنسان فلا تجبه؛ فإنَّ الكلمة الأولى أُنْثَى واجباتُها فحلها، فإنْ أمسكت عنها بترتها وقطعت نسلها، وإنْ أجبتها ألقحتها، فكم من نسل مذمومٍ يتولد بينهما في ساعة واحدة، انتهى.