وقولُهُ سبحانه: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } قال الغزاليُّ في «المنهاج»: التقوى في القرآن تُطْلَقُ على ثلاثة أشياء: أحدها بمعنى الخشية والهيبة؛ قال اللّه عز وجل:{ وَإِيَّـٰيَ فَٱتَّقُونِ } [البقرة:41]. وقال سبحانه:{ وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ } [البقرة:281]. والثاني: بمعنى الطاعة والعبادة؛ قال تعالى:{ يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } [آل عمران:102]. قال ابن عباس: أطيعوا اللّه حَقَّ طاعته، وقال مجاهد: هو أَنْ يُطَاعَ فلا يُعْصَى، وأنْ يُذْكَرَ فلا يُنْسَى، وأنْ يُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ. والثالث: بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب، وهذه هي الحقيقة في التقوى دون الأَولَيَيْنِ؛ أَلا ترى أَنَّ اللّه تعالى يقول: { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْفَآئِزُون } ذَكَرَ الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى، فعلمتَ أنَّ حقيقة التقوى معنى سوى الطاعةِ والخشيةِ، وهي تنزيهُ القلب عن الذنوب، انتهى. وقوله تعالى: { وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَـٰنِهِمْ... } الآية: جهد اليمين: بلوغُ الغاية في تعقيدها، و { لَيَخْرُجُنَّ } معناه: إلى الغزو، وهذه في المنافقين الذين تولوا حين دُعُوا إلى اللّه ورسوله. وقوله تعالى: { قُل لاَّ تُقْسِمُواْ طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ } يحتمل معاني: أحدها: النهي عن القَسَمِ الكاذب؛ إذ قد عُرِفَ أَنَّ طاعتهم دغلة فكأنه يقول: لا تغالطوا فقد عُرِفَ ما أَنْتُمْ عليه. والثاني: أَنَّ المعنى: لا تتكلَّفُوا القَسَمَ؛ فطاعة معروفة على قدر الاستطاعة أَمْثَلُ وأجدر بكم، وفي هذا التأويل إبقاءٌ عليهم، وقيل غير هذا. وقوله: { تَوَلَّوْاْ } معناه: تتولوا، والذي حمل النبي صلى الله عليه وسلم هو التبليغ، والذي حمل الناس هو السمعُ والطاعة واتباع الحق، وباقي الآية بَيِّنٌ.