قوله تعالى: { سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا وَفَرَضْنَـٰهَا... } الآية معنى «فرضنا». أوجبنا وأثبتنا، وقال الثَّعْلَبِيُّ والواحِدِيُّ: { فَرَضْنَـٰهَا } أي: أوجبنا ما فيها من الأحكامِ، انتهى، وقال البخاريُّ: قال ابن عباس: { سُورَةٌ أَنزَلْنَـٰهَا }: بَيَّنَّاها، انتهى. وما تقدم أَبْيَنُ. * ص *: { فَرَضْنَاهَا } الجمهور: بتخفيف الراء أي: فرضنا أحكامها، وأبو عمرو وابن كثير: بتشدِيْدِ الراء: إما للمبَالَغَةِ في الإيجاب، وإما لأَنَّ فيها فرائضَ شَتَّى، انتهى، والآيات البَيِّنَاتُ: أمثالُها ومواعِظُهَا وأحكامُها. وقوله تعالى: { ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجْلِدُواْ كُلَّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَةٍ... } الآية, هذه الآية ناسخة لآية الحَبْسِ باتِّفاق، وحكم المُحْصَنِينَ منسوخٌ بآية الرجم والسُّنَّةِ المتواترة على ما تقدّم في سورة النساء، وقرأ الجمهور: «رَأْفَةٌ» بهمزة ساكنة؛ من رَأَفَ إذا رَقَّ وَرَحِمَ، والرأفة المَنْهِيُّ عنها هي في إسقاط الحَدِّ، أي: أقيموه ولا بُدَّ، وهذا تأويل ابنِ عمر وغيره. وقال قتادة وغيره: هي في تخفيف الضَّرْبِ عنِ الزُّنَاةِ، ومِنْ رأيهم أَنْ يُخَفَّفَ ضربُ الخمر، والفِرْيَةِ دون ضرب الزنا. وقوله تعالى: { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَآئِفَةٌ مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي: إغلاظاً على الزناة، وتوبيخاً لهم، ولا خلافَ أَنَّ الطائفة كُلَّمَا كَثُرَتْ فهو أليق بامتثال الأمر، واختلف في أَقَلِّ ما يجزِىءُ فقال الزُّهْرِيُّ: الطائفة: ثلاثةٌ فصاعداً، وقال عطاء: لا بُدَّ من اثنين، وهذا هو مشهورُ قول مالك فرآها موضع شهادة. وقوله تعالى: { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } مَقْصِدُ الآية تشنيعُ الزنا وتشنيع أمره، وأَنَّهُ مُحَرَّمٌ على المؤمنين ويريد بقوله: { لاَ يَنكِحُ } أي: لا يَطَأُ، فالنكاح هنا بمعنى: الجماع؛ كقوله تعالى:{ حَتَّىٰ تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ } [البقرة:230]. وقد بَيَّنَهُ صلى الله عليه وسلم في الصحيح أَنَّه بمعنى الوطء، حيث قال: " لا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ... " الحديث, وتحتمل الآية وجوهاً هذا أحسنها.