الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ } * { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ } * { رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ لَقَادِرُونَ } * { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } * { وَقُلْ رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ ٱلشَّياطِينِ } * { وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ }

وقوله: { عَـٰلِمِ ٱلْغَيْبِ } المعنى: هو عالم الغيب، وقرأ أبو عمرو وغيره: «عَالِمِ» بالجر؛ اتباعاً للمكتوبة.

وقوله سبحانه: { قُل رَّبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ * رَبِّ فَلاَ تَجْعَلْنِي فِي ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أمَرَ اللَّه تعالى نَبِيَّه - عليه السلام - أنْ يدعوَ لنفسه بالنجاة من عذاب الظلمة إنْ كان قُضِيَ أنْ يَرَى ذلك، «وإن» شرطية و «ما» زائدة و «تريني» جزم بالشرط لزمته النونُ الثقيلة وهي لا تُفَارِقُ، «أَمَّا» عند المُبَرِّدِ، ويجوزُ عند سيبويه أنْ تفارقَ، ولكن استعمالَ القرآن لزومها، فمن هنالك ألزمه المبرد، وهذا الدعاء فيه استصحاب الخشية والتحذير من الأمر المعذب من أجله، ثم نظيره لسائر الأُمَّةِ دُعَاءٌ في حسن الخاتمة، وقوله ثانياً: «رب» اعتراض بين الشرط وجوابه.

وقوله سبحانه: { ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ٱلسَّيِّئَةَ } أمْرٌ بالصفح ومكارِمِ الأخلاق، وما كان منها لهذا فهو مُحْكَمٌ باقٍ في الأُمَّةِ أبداً، وما كان بمعنى الموادعة فمنسوخ بآية القتال.

وقوله: { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَصِفُونَ } يقتضي أَنَّها آية مُوَادَعَةٍ.

وقال مجاهد: الدفع بالتي هي أحسن: هو السلامُ، تُسَلِّمُ عليه إذا لَقِيتَه.

وقال الحسن واللَّه لا يُصِيبُهَا أَحَدٌ حَتَّى يَكْظِمَ غيظه، وَيَصْفَحَ عَمَّا يكره، وفي الآية عِدَةٌ للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: اشتغل أنت بهذا وكل أمرهم إلينا، ثم أمره سبحانه بالتَّعَوُّذِ من همزات الشياطين، وهي سورات الغضب التي لا يملك الإنسانُ فيها نفسه؛ وكأنها هي التي كانت تصيب المؤمنين مع الكُفَّارِ فتقع المجادلة، ولذلك اتَّصَلَتْ بهذه الآية، وقال ابن زيد: هَمْزُ الشيطان: الجنونُ، وفي «مُصَنَّفِ أَبي داودَ»: أنَّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ: هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، ونَفْثِهِ " قال أبو داودَ: همزه: المُوتة، ونفخه: الكِبْرُ، ونَفْثُهُ: السحر.

قال * ع *: والنَّزغَاتِ وسورات الغضبِ من الشيطان، وهي المُتَعَوَّذُ منها في الآية، وأصل الهمز: الدَّفْعُ والوَكزُ بيدٍ أو غيرها.

قلت: قال صاحب «سلاح المؤمن»: وهَمَزَاتُ الشياطين: خَطَرَاتُها التي تَخْطِرَهَا بقلب الإنسان، انتهى.

وقال الوَاحِدِيُّ: همزات الشياطين: نَزَغَاتُهَا وَوَسَاوِسُهَا، انتهى.