الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ } * { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِراً تَهْجُرُونَ } * { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ أَمْ جَآءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَآءَهُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَآءَهُمْ بِٱلْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ } * { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ لَفَسَدَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِمْ مُّعْرِضُونَ } * { أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجاً فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلآخِرَةِ عَنِ ٱلصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ } * { وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِٱلْعَذَابِ فَمَا ٱسْتَكَانُواْ لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ }

وقوله: { قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ } يعني القرآن و { تَنكِصُونَ } معناه: ترجعون وراءَكُم، وهذه استعارة للإعراض والإدبار عن الحَقِّ و { مُسْتَكْبِرِينَ } حال والضمير في { بِهِ }: عائد على الحَرَم والمسجد وإنْ لم يَتَقَدَّمْ له ذكر؛ لشهرته، والمعنى: إنكم تعتقدون في نفوسكم أَنَّ لكم بالمسجد الحرام أعظَم الحقوق على الناسِ والمنزلةَ عند اللَّه، فأنتم تستكبرون لذلك، وليس الاستكبار من الحق.

وقالت فرقة: الضمير عائد على القرآن والمعنى: يُحْدِثُ لكم سماعُ آياتي كبراً وطغياناً، وهذا قولٌ جَيِّدٌ، وذكر منذر ابن سعيد: أن الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مُتَعَلِّقٌ بما بعده، كأن الكلام تَمَّ في قوله: { مُسْتَكْبِرِينَ } ثم قال: بمحمد عليه السلام سامراً تهجرون، و { سَامِراً } حال، وهو مفرد بمعنى الجمع؛ يقال: قوم سُمَّرٌ وسَمَرةٌ وسَامِرٌ، ومعناهُ: سُهَّرُ الليل مأخوذ من السَّمَرِ وهو ما يقع على الأشخاص من ضوء القمر، وكانت العرب تجلس للسمر تتحدث وهذا أَوْجَبَ معرفَتها بالنجوم؛ لأَنَّها تجلس في الصحراء فترى الطوالِعَ من الغوارب، وقرأ أبو رجاء: «سُمَاراً» وقرأ ابن عباس وغيره: «سمرا» وكانت قريش تَسْمُرَ حول الكعبة في أباطيلها وكفرها، وقرأ السبعة غيرَ نافع: «تَهْجُرُونَ»: بفتح التاء وضم الجيم؛ قال ابن عباس معناه: تهجرون الحَقَّ وذِكْرَ اللَّه، وتقطعونه؛ من الهجران المعروف، وقال ابن زيد: هو من هجر المريض: إذا هذى، أي: تقولون اللغوَ من القول؛ وقاله أبو حاتم، وقرأ نافع وحده: «تُهْجِرونَ»: بضم التاء وكسر الجيم وهي قراءة أهل المدينة، ومعناه: تقولون الفُحْشَ والهجر من القول، وهذه إشارة إلى سَبِّهِمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ قال ابن عباس أيضاً وغيره، ثم وبخهم سبحانه بقوله: { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ ٱلْقَوْلَ } لأنهم بعد التدبر والنظر الفاسد قال بعضهم: شِعْرٌ، وبعضهم: سِحْرٌ وغير ذلك، أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأوَّلين أي: ليس بِبِدْعٍ بل قد جاء آباءهم الأَوَّلِينَ، وهم سالف الأمم الرُّسُلُ؛ كنوح، وإبراهيم، وإسماعيلَ وغيرهم، وفي هذا التأويل من التَّجَوُّزِ أَنَّ جَعْلَ سالف الأمم، آباء؛ إذِ الناس في الجملة آخِرُهم من أَوَّلِهِم.

{ أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ } المعنى: ألم يعرفوا صدقه وأمانته مدَّةَ عمره صلى الله عليه وسلم.

وقوله سبحانه: { وَلَوِ ٱتَّبَعَ ٱلْحَقُّ أَهْوَآءَهُمْ }.

قال ابن جريج، وأبو صالح: الحقُّ: اللَّه تعالى.

قال * ع *: وهذا ليس من نَمَطِ الآية، وقال غيرهما: الحق هنا: الصواب والمستقيم.

قال * ع *: وهذا هو الأحرى، ويستقيمُ على هذا فسادُ السمواتِ والأرض ومَنْ فيهن لو كان بحكم هوى هؤلاءِ؛ وذلك أَنَّهُم جعلوا للَّه شركاءَ وأولاداً، ولو كان هذا حَقّاً لم تكن للَّه عز وجل الصفاتُ العِلَيَّةُ، ولو لم تكن له سبحانه ـــ لم تكن الصَّنْعَةُ، ولا القُدْرَةُ كما هي، وكان ذلك فسادُ السمواتِ والأرض ومَنْ فيهن:

السابقالتالي
2