وقوله تعالى: { وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ } إلى قوله: { هُمُ ٱلْعَادُونَ } يقتضي تحريمَ الزِّنا والاستمناءِ ومواقعةِ البهائم، وكُلُّ ذلك داخل في قوله: { وَرَآءَ ذَٰلِكَ } ويريد: وراءَ هذا الحَدِّ الذي حُدَّ، والعادي: الظالم، والأمانة والعهد يَجْمَعُ كُلَّ ما تحمَّله الإنسان من أمر دينه ودُنياه قولاً وفعلاً. وهذا يعمُّ معاشرة الناس والمواعيد وغير ذلك، ورعاية ذلك حِفْظُهُ والقيام به، والأمانة أعمُّ من العهد؛ إذ كل عهد فهو أمانة، وقرأ الجمهور: «صَلَوَاتِهِمْ» وقرأ حمزة والكسائي: «صلاتهم» بالإفراد، و { ٱلْوَٰرِثُونَ } يريد الجنة، وفي حديث أَبي هريرةَ عن النبي صلى الله عليه وسلم: " إنَّ اللّهَ تعالى جَعَلَ لِكُلِّ إنْسَانٍ مَسْكَناً فِي الجَنَّةِ، وَمَسْكَناً فِي النَّارِ، فَأَمَّا المُؤْمِنُونَ فَيَأْخُذُونَ مَنَازِلَهُمْ، وَيَرِثُونَ مَنَازِلَ الكُفَّارِ، وَيَحْصُلُ الكُفَّارُ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي النَّارِ ". قلت: وَخَرَّجَهُ ابن ماجه أيضاً بمعناه عن أَبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " مَا مِنْكُمْ إلاَّ مَنْ لَهُ مَنْزِلاَنِ: مَنْزِلٌ فِي الجَنَّةِ، وَمَنْزِلٌ في النَّارِ، فَإذَا مَاتَ ـــ يعني الإنسان ـــ وَدَخَلَ النَّارَ، وَرِثَ أَهْلُ الجَنَّةِ مَنْزِلَهُ؛ فَذَلِكَ قوله تعالى: { أُولَئكَ هُمُ ٱلْوَارِثُونَ } " قال القرطبي في «التذكرة»: إسناده صحيح، انتهى من التذكرة. قال * ع *: أَنْ يُسَمِّيَ اللّه تعالى حصولَهم في الجنة وارثةً من حيثُ حصَّلُوهَا دون غيرهم، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال: " إنَّ اللّه أَحَاطَ الجَنَّةِ: لَبِنَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَلَبِنَةً مِنْ فِضَّةٍ، وَغَرَسَ غِرَاسَهَا بِيَدِهِ، وَقَالَ لَهَا: تَكَلَّمِي، فقالت: «قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ» فقال: طُوبَى لَك مَنْزِلُ المُلُوكِ " خرجه البَغويُّ في «المسند المنتخب» له، انتهى من «الكوكب الدُّرِّيِّ».