الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ٱلَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً ٱلْعَاكِفُ فِيهِ وَٱلْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } * { وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ ٱلْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلْقَآئِمِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ } * { وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَميِقٍ } * { لِّيَشْهَدُواْ مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُواْ ٱسْمَ ٱللَّهِ فِيۤ أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ ٱلأَنْعَامِ فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ ٱلْبَآئِسَ ٱلْفَقِيرَ } * { ثُمَّ لْيَقْضُواْ تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُواْ نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُواْ بِٱلْبَيْتِ ٱلْعَتِيقِ }

وقوله سبحانه: { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } هذه الآية نزلت عام الحُدَيْبِيَّةِ حِينَ صُدَّ النبي صلى الله عليه وسلم وجاء { يَصُدُّونَ } مستقبلاً؛ ِاذ هو فعل يُدِيمونه، وخبر { إِنَّ } محذوف مُقَدَّرٌ عند قوله: و { ٱلْبَادِ }: تقديره: خسروا أو هلكوا. و { ٱلْعَـٰكِفُ }: المقيم في البلد، و «البادي»: القادم عليه من غيره.

وقوله: { بِإِلْحَادِ } قال أبو عبيدة: الباء فيه زائدة.

* ت * قال ابن العربيِّ في «أحكامه»: وجَعْلُ الباء زائدةً لا يُحْتَاجُ إليه في سبيل العربية؛ لأَنَّ حَمْلَ المعنى على القول أولى من حمله على الحروف، فيقال: المعنى ومن يَهُمَّ فيه بميل، لأَنَّ الإلحادَ هو الميل في اللغة إلاَّ أَنَّهُ قد صار في عُرْفِ الشرع ميلاً مذموماً، فرفع اللّه الإشكال، وبَيَّنَ سبحانه أَنَّ الميلَ بالظلم هو المراد هنا، انتهى.

قال * ع *: والإلحاد الميلُ وهو يشمل جميع المعاصي من الكفر إلى الصغائر، فلعظم حرمة المكان توعد اللّه تعالى على نية السيئة فيه، ومَنْ نوى سيئة ولم يعملها ـــ لم يُحَاسَبْ بذلك إلاَّ في مَكَّةَ هذا قولُ ابنِ مسعود وجماعة من الصحابة وغيرهم.

قال * ص *: وقوله: { أَن لاَّ تُشْرِكْ }: أَنْ: مفسِّرةٌ لقولٍ مُقَدَّرٍ، أي: قائلين له، أو موحين له: لا تشرك، وفي التقدير الأول نَظَرٌ فانظره، انتهى.

وقوله تعالى: { وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَٱلْقَائِمِينَ... } الآية: تطهيرُ البيت عامٌّ في الكُفْرِ، والبِدَعِ، وجميعِ الأَنْجَاسِ، والدماءِ، وغير ذلك، { وَٱلْقَائِمِينَ }: هم المصلون، وخَصَّ سبحانه بالذكر من أركان الصلاة أعظَمَها، وهو القيامُ والركوعُ والسجودُ، ورُوِيَ: «أَنَّ إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لَمَّا أُمِرَ بالأذان بالحج ـــ قال: يا رب، وإذا أَذَّنْتُ، فَمَنْ يَسْمَعُنِي؟ فقيل له: نادِ يا إبراهيمُ، فعليك النداءُ وعلينا البلاغ؛ فصعد على أبي قُبَيْس، وقيل: على حجر المَقَام، ونادى: أَيُّها الناس، إنَّ الله تعالى قد أَمرهم بحجِّ هذا البيتِ؛ فَحِجُّوا، فَرُوِيَ أَنَّ يومَ نادى أسمع كُلَّ مَنْ يحج إلى يوم القيامة في أصلابِ الرجال، وأجابه كُل شَيءٍ في ذلك الوقْتِ: من جمادٍ، وغيرهِ: لبَّيكَ اللَّهُمَّ لبيك؛ فجرت التلبيةُ على ذلك» قاله ابن عباس، وابن جبير،، و { رِجَالاً }: جمع رَاجِل، وَالـ { ضَامِر }: قالت فرقة: أراد بها الناقةَ؛ وذلك أَنه يقال: ناقة ضامرٌ، وقالت فرقة: لفظ «ضامر» يشمل كلَّ مَنِ اتصف بذلك من جمل، أو ناقة، وغيرِ ذلك.

قال * ع *: وهذا هو الأظهر، وفي تقديم { رِجَالاً } تفضيلٌ للمُشَاةِ في الحج؛ وإليه نحا ابن عباس.

قال ابن العربي في «أحكامه»: قوله تعالى: { يَأْتِينَ } رَدَّ الضمير إلى الإبل؛ تكرمةً لها لقصدها الحج مع أربابها؛ كما قال تعالى:وَٱلْعَـٰدِيَـٰتِ ضَبْحاً } [العاديات:1].

في خيل الجهاد؛ تكرمةً لها حين سَعَتْ في سبيل اللّه، انتهى.

السابقالتالي
2