الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } * { يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ }

قوله عز وجل: { يَٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ } الزلزلة: التحريكُ العنيف، وذلك مع نفخة الفزع، ومع نفخة الصعق؛ حسبما تضمنه حديثُ أبي هريرة من ثلاث نفخات، والجمهور على أَنَّ «زلزلة الساعة» هي كالمعهودة في الدنيا إلاَّ أَنَّهَا في غاية الشِّدَّةِ، واخْتَلَفَ المفسرون في الزلزلة المذكورة، هل هي في الدنيا على القوم الذين تقوم عليهم القيامة، أم هي في يوم القيامة على جميع العالم؟ فقال الجمهور: هي في الدنيا، والضميرُ في { تَرَوْنَهَا } عائِدٌ عندهم على الزلزلة، وقوى قولهم أَنَّ الرضاع والحملَ إنما هو في الدنيا، وقالت فرقة: الزلزلة في يوم القيامة، والضميرُ عندهم عائد على الساعة، والذهول: الغفلة عن الشيءِ بطريانِ ما يشغل عنه من هَمِّ أَوْجَعَ أو غيره؛ قال ابن زيد: المعنى: تترك وَلَدَهَا للكرب الذي نزل بها.

قلت: وخَرَّجَ البخاريُّ وغيرُه عن أبي سعيد الخدريِّ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَقُولُ اللّهُ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يا آدمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: أَخْرِجْ بَعْثَ النَّارِ، قَالَ: يَا رَبِّ، وَمَا بَعْثُ النَّارِ؟ قَالَ: مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتسعينَ إلَى النَّارِ، وَوَاحِداً إلى الجَنَّةِ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الحَامِلُ حَمْلَهَا، وَيَشِيبُ الوَلِيدُ، وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ، وَمَا هُمْ بِسُكَارَىٰ وَلَكِنَّ عَذَابَ اللّهِ شَدِيدٌ " الحديث. انتهى.

وهذا الحديث نَصٌّ صريح في أَنه يوم القيامة، وانظر قوله:يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } [المزمل:17]، وقوله:وإذَا ٱلْعِشَارُ عُطِّلَتْ } [التكوير:4] تجدْهُ موافقاً للحديث، وجاء في حديث أبي هريرة فيما ذكره علي بن معبد: " أَنَّ نَفْخَةَ الْفَزَعِ تَمْتَدُّ، وَأَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ فِي النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَيُسَيِّرُ اللّهُ الجِبَالَ، فَتَمُرُّ مَرَّ السِّحَابِ، ثُمَّ تَكُونُ سَرَاباً، ثُمَّ تَرْتَجُّ الأَرْضُ بأَهْلِهَا رَجّاً، وَتَضَعُ الحَوَامِلُ مَا فِي بُطُونِهَا، وَيَشِيبُ الْوُلْدَانُ، ويُوَلِّي النَّاسُ مُدْبِرِيْنَ، ثُمَّ يَنْظُرُونَ إلَى السَّمَاءِ، فَإذَا هِيَ كَالْمُهْلِ، ثَمَّ انْشَقَّتْ " ، ثُمَّ قَالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم: " وَالْمَوْتَى لاَ يَعْلَمُونَ شَيئاً مِنْ ذَلِكَ، قُلْتُ: يَا رَسُولِ اللّهِ، فَمَنِ اسْتَثْنَى اللّهُ عز وجل حِينَ يَقُولُ: { فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إلاَّ مَنْ شَاءَ اللّهُ }؟ قال: أولئك هم الشهداء " انتهى مختصراً، وهذا الحديث ذكره الطبريُّ، والثعلبي، وصححه ابن العربي في «سراج المريدين».

وقال عبد الحق: بل هو حديث منقطع، لاَ يَصِحُّ، والذي عليه المحققون أنَّ هذه الأهوال هي بعد البعث، قاله صاحب «التذكرة» وغيره، انتهى.

والحَمْلُ: - بفتح الحاء - ما كان في بطن أو على رأس شجرة.

وقوله سبحانه: { وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَى } تشبيهاً لهم، أي: من الهم، ثم نفي عنهم السُّكَر الحقيقيَّ الذي هو من الخمر، قاله الحسن وغيره، وقرأ حمزة والكسائيُّ: «سكرى» في الموضعين.

قال سيبويه: وقوم يقولون: سَكْرَىٰ جعلو مثل مرضى، ثم جعلوا: روبى مثل سكرى، وهم المستثقلون نوماً من شرب الرائب.