وقوله سبحانه: { وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِدْرِيسَ } المعنى: واذكر إسماعيلَ، وقوله سبحانه: { وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً } التقدير واذكر ذا النون، قال السُّهَيْلِيُّ: لما ذكر اللَّه تعالى يُونُسَ هنا في معرض الثناء، قال: { وَذَا ٱلنُّونِ } ، وقال في الآية الأخرى:{ وَلاَ تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ } [القلم:48] والمعنى واحدٌ، ولكن بين اللفظين تفاوتٌ كثير في حسن الإشارة إلى الحالتين، وتنزيلُ الكلام في الموضعين والإضافة بذي أشرف من الإضافة بصاحب؛ لأنَّ قولك: ذو يضاف بها إلى التابع، وصاحبُ يُضَافُ بها إلى المتبوع، انتهى. والنون: الحوتُ، والصاحب: يونس بن متى عليه السلام وهو نبيٌّ من أهل نَيْنَوَى. وقوله: { مُغَـٰضِباً } قيل: إنَّهُ غاضب قومه حين طال عليه أمرهم. وَتَعَنُّتُهُمْ، فذهب فارّاً بنفسه، وقد كان اللَّه تعالى أمره بملازمتهم والصبرِ على دعائهم، فكان ذلك ذَنْبَه، أي: في خروجه عن قومه بغير إذن ربه. قال عِيَاض: والصحيح في قوله تعالى: { إِذ ذَّهَبَ مُغَـٰضِباً» أَنَّهُ مُغَاضِبٌ لقومه؛ لكفرهم، وهو قول ابن عباس، والضَّحَّاكِ وغيرهما، لا لربه؛ إذْ مغاضبة اللَّه تعالى معاداة له، ومعاداةُ اللَّه كفر لا يليق بالمؤمنين، فكيف بالأنبياء - عليهم السلام -؟! وفرارُ يونس عليه السلام خشيةَ تكذيب قومه بما وعدهم به من العذاب. وقوله سبحانه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ } معناه: أَنْ لن نضيق عليه، وقيل: معناه: نقدر عليه ما أصابه، وقد قُرِىء { نقَدِّرَ } عليه بالتشديد، وذلك، كما قيل لحسن ظَنِّهِ بربه: أَنه لا يقضى عليه بعقوبة، وقال عياض في موضع آخر: وليس في قصة يونس عليه السلام نَصٌّ على ذنب، وإنما فيها أَبَقَ وذهب مغاضباً، وقد تكلمنا عليه، وقيل: إنما نقم الله - تعالى - عليه خروجه عن قومه من نزول العذاب. وقيل: بل لَمَّا وعدهم العذابَ، ثم عفا اللَّه عنهم، قال: واللَّهِ لا ألقاهم بوجه كذَّابٍ أبداً، وهذا كله ليس فيه نَصٌّ على معصية. انتهى. وقوله سبحانه: { فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ }. قالت فرقة: معناه: أنْ لن نضيف عليه في مذهبه؛ من قوله تعالى:{ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ } [الرعد:26]، وقرأ الزُّهْرِيُّ: «نُقَدِّرُ» بضم النون، وفتح القاف، وشَدِّ الدال، ونحوه عن الحسن. وروي: أَنَّ يونس عليه السلام سجد في جوفِ الحوت حين سمع تسبيح الحيتان في قعر البحر. وقوله: { إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ }: يريد فيما خالف فيه من تركِ ملازمة قومه والصبرِ عليهم، وهذا أحسن الوجوه، فاستجاب اللَّه له. * ت * وليس في هذه الكلمة ما يَدُلُّ أَنَّهُ اعترف بذنب، كما أشار إليه بعضهم، وفي الحديث الصحيح: " دَعْوَةُ أَخِي ذِي النُّونِ، في بَطْنِ الْحُوتِ: { لاَ إلَهَ إلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ، إنِّي كُنْتُ مِنَ ٱلظَّـٰلِمِينَ } ، مَا دَعَا بِهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ ـــ أَوْ قَالَ: مُسْلِمٌ ـــ، إلاَّ اسْتُجِيبَ لَهُ "