الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } * { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ }

وقوله: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ... } الآية. رُوِيَ: أَنَّهُ حَضَرَهُم عِيدٌ لهم، فعزم قومٌ منهم على إبراهيمَ في حُضُورِهِ؛ طمعاً منهم أَنْ يَسْتَحْسِنَ شيئاً من أحوالهم، فَمَشَى معهم، فلما كان في الطريق ثَنَى عَزْمَه على التَّخَلُّفِ عنهم، فقعد، وقال لهم: إني سقيم، فَمرَّ به جُمْهُورهُم، ثم قال في خلوةٍ من نفسه: { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَـٰمَكُمْ } فَسَمِعَهُ قومٌ من ضَعَفَتِهِم مِمَّنْ كان يسيرُ في آخِرِ الناس.

وقوله: { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } معناه: إلى عِيدِكُمْ، ثم انصرف إبراهيمُ عليه السلام إلَى بيت أصنامِهِم فدخله، ومعه قدُومٌ، فوجد الأَصنامَ قد وُقِّفَتْ، أكْبَرُهَا أَوَّلٌ، ثم الذي يليه فالذي يليه، وقد جعلوا أَطْعِمَتَهُم في ذلك اليوم بين يدي الأَصنام؛ تبركاً لينصرفوا من ذلك العيد إلى أَكْلِهِ، فجعل عليه السلامُ يقَطِّعُهَا بتلك القدومِ، ويُهَشمُهَا حتى أَفسد أَشكالها، حاشا الكبيرَ؛ فإنَّهُ تَرَكَهُ بحالِهِ وعَلَّقَ القدومَ في يَدِهِ، وخرج عنها، و { جُذَاذاً }: معناه: قطَعاً صِغَاراً، والجَذُّ: القَطْعُ، والضميرُ في { إِلَيه } أَظْهَرُ ما فيه أَنَّهُ عائِدٌ على إبراهيم، أي: فَعَلَ هذا كُلّهُ؛ ترجِّياً منه أَنْ يَعْقُبَ ذلك منهم رَجْعَةٌ إليه وإلى شَرْعِهِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يعودَ على كبيرهم.