وقوله سبحانه: { لَوْ يَعْلَمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ حِينَ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ ٱلنَّارَ... } الآية: حُذِفَ جوابُ «لو»؛ إيجازاً لدلالة الكلامِ عليه، وتقديرُ المحذوف: لما استعجلوا، ونحوه، وذَكَرَ الوجوهَ؛ لشرفها من الإنسانِ، ثم ذَكَرَ الظهورَ؛ ليُبَيِّنَ عُمُومَ النَّارِ لجميع أَبْدَانِهِمْ، والضميرُ في قوله: { بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً }: للسَّاعَةِ التي تُصَيِّرُهُم إلى العذاب، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ للنار، و { يُنظَرُونَ } معناهُ: يُؤخَّرُنَ، و { حَاقَ } معناه: حَلَّ ونزل، و { يَكْلَؤْكُم } ، أي: يَحْفَظُكُمْ. وقوله سبحانه: { وَلاَ هُمْ مِّنَّا يُصْحَبُونَ } يحْتَمِلُ تَأْوِيلَيْنِ: أحدهما: يجارون ويمنعون. والآخر: ولا هم مِنَّا يُصْحَبُون بخيرٍ وتَزْكِيَةٍ ونحو هذا. وقوله سبحانه: { أَفَلاَ يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا.. } الآية { نَأْتِي ٱلأَرْضَ } معناه: بالقُدْرَة، ونقصُّ الأَرْض: إمَّا أنْ يُرِيدَ بتخريبِ ٱلْمَعْمُورِ، وإمَّا بموتِ البَشَرِ. وقال قوم: النَّقْصُ من الأَطْرَاف: موتُ العلماءِ، ثم خاطب سبحانه نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم مُتَوَعِّداً لِهَؤلاءِ الكَفَرَةِ بقوله: { وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ... } الآية، والنَّفْحَةُ: الخَطْرَةُ والمَسَّةُ، والمعنى: ولئن مَسَّتْهُمْ صَدْمَةَ عذابٍ لَيَنْدَمُنَّ، ولَيُقِرُّنَّ بظلمهم، وباقي الآية بَيِّنٌ. وقال الثعلبي: { نَفْحَة } ، أي: طَرَفٌ؛ قاله ابن عباسٌ، انتهى. وقوله سبحانه: { لِيَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ } قال أبو حيان: اللام للظرفية بمعنى «في» انتهى. قال القرطبي في «تذكرته»: قال العلماء: إذا انقضى الحسابُ كان بعدَه وَزْنُ الأَعمالِ؛ لأَنَّ الوَزْنَ للجزاءِ، فينبغي أَنْ يكونَ بعد المُحَاسبَةِ، واخْتُلِفَ في الميزانِ والحَوْضِ: أَيُّهُمَا قَبْلَ الآخرِ، قال أبو الحسن القابسيُّ: والصحيحُ أَنَّ الحوضَ قبل الميزانِ، وذهب صاحِبُ «القوت» وغيرُه إلى: أنَّ حَوْضَ النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو بَعْدَ الصِّرَاط. قال القرطبي: والصحيح: «أنَّ للنبي صلى الله عليه وسلم حَوْضَيْنِ، وكلاهما يُسَمَّى كَوْثَراً، وأَنَّ الحَوْضَ الذي ذَادُ عنه مَنْ بَدَّلَ وغَيَّرَ يكونُ في المَوْقِفِ قبل الصراط، وكذا حِيَاضُ الأنبياءِ - عليهم الصلاة والسلام - تكونُ في الموقف؛ على ما وَرَدَ في ذلك من الأخبار» انتهى. والفُرْقَانُ الذي أُوتي موسى وهارونُ قيل: التوراةُ، وهي الضِّيَاءُ والذِّكْرُ. وقالت فرقة: الفُرقَان: هو ما رَزَقَهُمَا اللَّهُ تعالى من نَصْرٍ وظُهُورٍ على فرعونَ وغيرِ ذلك، والضِّيَاءُ: التوراةُ، والذِّكْرُ: بمعنى التذكرة. وقولُه سبحانه: { وهذا ذكرٌ مبارك } يعني: القرآن، ثم وَقَفَهُم سبحانه؛ تقريراً وتوبيخاً: هل يَصِحُّ لهم إنكارُ بَرَكَتِهِ وما فيه من الدعاءِ إلى اللَّه تعالى وإلى صالح العمل؟.