الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ }

قوله عز وجل: { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَـٰبُهُمْ... } الآية: رُوي أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كان يبني جِدَاراً، فمر به آخرُ يومَ نزول هذه السورة، فقال الذي كان يبني الجدارَ: ماذا نزل اليوَم من القرآن؟ فقال الآخر: نزل اليومَ { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاس حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } فنفض يديه من البُنْيان، وقال: واللَّهِ لا بَنَيْتُ، قال أبو بكر بنُ العربي: قال لي شَيُخِي: في العبادة لا يذهب لك الزمان؛ في مُصَاولةِ الأقران؛ ومُوَاصلة الإِخَوان، ولم أرَ للخلاص شيئاً أقرب من طريقين. إمَّا أن يغلق الإنسان على نفسه بابه، وإما أن يخرج إلى مَوْضِعٍ لا يُعرفُ فيه، فإن ٱضْطرّ إلىٰ مخالطة الناس، فَلْيَكُنّ معهم ببدنه، ويفارقهم بقلبه ولسانه، فإنْ لم يستطِعْ، فبقلبه، ولا يفارق السكوتَ. قال القُرْطُبِيَّ: ولأَبي سليمان الخَطَابِيّ في هذا المعنى: [الوافر]
أَنِسْتُ بِوَحْدَتِي وَلَزِمْتُ بَيْتِي   فَدَامَ الأُنْسُ لِي وَنَمَا السُّرُورُ
وأَدَّبَنَي الزَّمَانُ فَلاَ أُبَالِي   بِـــأَنِّــــي لا أُزَارُ وَلاَ أَزَوُرُ
وَلَسْتُ بِسَائِلٍ مَا دُمْتُ حَــيًّــا   أَسَارَ الْجَيْشُ أَمْ رَكِبَ الأَمِيرُ
انتهى من «التذكرة».

وقوله: { ٱقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ } عامٌ في جميع الناس، وإن كان المشارُ إليه في ذلك الوقت كفار قريش؛ ويدل على ذلك ما يأتي بعدُ من الآيات.

قال * ص *: اقترب: بمعني الفعل المجرّد وهو قَرُبَ، وقيل: اقترب أبلغ: للزيادة { وهُمْ فِي غَفْلَةٍ } الواو للحال، انتهى.

وقوله: { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ } يريدُ: الكفار، ويأخَذ عصاة المؤمنينَ من هذه الألفاظ قِسْطَهم.

* ت *: أَيُّها الأَخُ أَشْعرِ قلبك مَهَابَةَ رَبِّك، فإليه مآلك؛ وتأهب للقدوم عليه؛ فقد، أنَ ٱرتحالك؛ أنت في سكرة لذاتِك؛ وغشية شهواتكِ؛ وإغماء غفلاتِك؛ ومِقْراضُ الفناء يعمل في ثوب حياتك؛ ويفصل أجزاء عمرك جُزْءاً جزءاً في سائر ساعاتك؛ كل نفس من أنفاسك جزءٌ منفصل من جملة ذاتك وبذهاب الأجزاء تذهبُ الجمل، أنت جملة تؤخذ، آحادها وأبعاضها، إلى أن تستوفي سائرها عساكر الأقضية، والأقدار مُحْدقة بأسوار الأَعمار؛ تهدمُها بمعاول الليل والنهار؛ فلو أضاء لنا مِصْباحُ الاعتبار؛ لم يبقَ لنا في جَمِيع أوقاتنا سكونٌ ولاَ قَرار. انتهى من «الكلم الفارقية والحكم الحقيقة».