الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُمْ مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ } * { كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلاَ تَطْغَوْاْ فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ } * { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }

وقوله عزوجل: { يٰبَنِي إِسْرٰءِيلَ قَدْ أَنجَيْنَـٰكُمْ... } الآية، ظاهر هذه الآية: أنّ هذا القول قِيل لبني إسرائيل حينئذٍ عند حُلولِ النِّعم التي عددها اللّهُ عليهم، ويحتمل أن تكون هذه المقالة خُوطِب بها مُعَاصِرُو النبي صلى الله عليه وسلم، والمعنى: هذا فِعْلُنا بأسلافكم؛ وتكون الآيةُ على هذا اعتراضاً في أثناء قصة موسى، والقصدُ به توبيخُ هؤلاء الحضور إذ لم يصبر سلفُهم على أداء شكر نعم اللّه تعالى، والمعنى الأول أظهر وأبْين.

وقوله سبحانه: { وَوَاعَدْنَـٰكُمْ جَانِبَ ٱلطُّورِ ٱلأَيْمَنَ... } الآية، وقصص هذه الآية: أن اللّه تعالى لما أنجى بني إسرائيل، وغرّق فرعون، وعد بني إسرائيل أن يسيروا إلى جانب طور سينا؛ ليكلم فيه موسى، ويناجيه بما فيه صلاحهم، فلما أخذوا في السير، تعجل موسى عليه السلام؛ ٱبتغاءَ مَرضَاةِ ربِّه، حَسْبما يأتِي بعدُ.

وقرأ جمهورُ الناس: «فيَحِلّ» بكسر الحاء، «ويَحْلِلْ» بكسر اللام.

وقرأ الكِسَائِيُّ وَحْدَه بضمهما، ومعنى الأول: فيجب، ويحقُّ، ومعنى الثاني: فيقع وينزل، و { هَوَىٰ } معناه: سقط أيْ: هَوَىٰ في جَهَنَّم، وفي سخط اللّه - عافانا اللّه من ذلك -، ثم رجَّىٰ سبحانه عباده بقوله: { وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ... } الآية, والتوبة من ذنب تصح مع الإقامة على غيره وهي توبة مفيدة وإذا تاب العبد، ثم عَاوَدَ الذنب بعينه بعد مُدّة؛ فيحتمل عند حُذَّاق أهل السنة: أَلاَّ يعيدَ اللّهُ تعالى عليه الذنبَ الأول؛ لأن التوبةَ قد كانت محْتهُ، ويُحتمل: أن يعيده؛ لأنها توبةٌ لم يوف بها، وٱضْطرب الناس في قوله سبحانه: { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } من حيث وَجَدُوا الهُدَىٰ ضمن الإيمان والعمل؛ فقالت فرقة: ثم لزم الإسلام حتى يموت عليه.

وقيلَ: غير هذا، والذي يقوى في معنى: { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ } أن يكون: ثم حفظ معتقداتِه من أن تخالف الحق في شَيْء من الأَشياء؛ فإن الاهتداءَ على هذا الوجه غيرُ الإيمان، وغيرُ العَمَلِ؛ وَرُبَّ مُؤْمِنٍ عمل صالحاً قد أوبقه عدم الاهْتداء؛ كالقدرية والمُرْجِئة، وسائر أهل البدع، فمعنى: { ثُمَّ ٱهْتَدَىٰ }: ثم مشى في عقائد الشَّرْعِ على طريقٍ قَوِيم - جعلنا اللّه منهم بمنه - وفي حِفْظ المعتقَدَاتِ ينحصر معظم أمر الشرع.