الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } * { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ } * { قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يٰمُوسَىٰ } * { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَٱجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى } * { قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ ٱلزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ ضُحًى } * { فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَىٰ } * { قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ ٱفْتَرَىٰ } * { فَتَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجْوَىٰ } * { قَالُوۤاْ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ ٱلْمُثْلَىٰ } * { فَأَجْمِعُواْ كَيْدَكُمْ ثُمَّ ٱئْتُواْ صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ ٱلْيَوْمَ مَنِ ٱسْتَعْلَىٰ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَىٰ } * { قَالَ بَلْ أَلْقُواْ فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَىٰ }

وقوله سبحانه: { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ } يريد من الأَرض { وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ } أَيْ: بالموت، والدفن. { وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ } أيْ: بالبعث ليوم القيامة.

وقوله: { وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا } إخبار لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وقوله { كُلَّهَا } عائد على الآيات التي رآها فرعون، لا أنه رأى كلَّ آية للَّه عز وجل وإنما المعنى: أن اللَّه أراه آيات ما؛ كاليد، والعصا، والطّمْسة، وغير ذلك. وكانت رؤيتُه لهذه الآياتِ مستوعبة يرى الآياتِ كلَّها كاملةً. ومعنى { سُوىً } أَيْ: عَدْلاً ونصفَه، أي: حالنا فيه مُستَوِيَة.

وقالت فرقة: معناه مستوياً من الأرض؛ لا وهْدَ فيه، ولا نشز، فقال موسَى: { موعدكم يوم الزينة } وروي. أَنَّ يوم الزينة كان عيداً لهم، ويوماً مشهوراً.

وقيل: هو يوم كسر الخليج الباقي إلى اليوم.

وقوله: { وَأَن يُحْشَرَ ٱلنَّاسُ } عطفاً على { ٱلزِّينَةِ }؛ فهو في موضع خفض.

{ فَتَوَلَّىٰ فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ } أي: جمع السحرةَ، وأمرهم بالاِسْتعدَادِ لموسى، فهذا هو كيدُه.

{ ثُمَّ أَتَىٰ } فرعونُ بجمعه، فقال موسى للسحرة: { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } وهذه مُخَاطَبةُ مُحَذّر، وندبَهم في هذه الآية إلى قول الحق إذا رأوه، أَلاَّ يباهتوا بكذب؛ { فَيُسْحِتَكُم } أيّ: فيهلككم، ويذهبكم، فلما سمع السَّحَرَةُ هذه المقالةَ، هالهم هذا المنزع، ووقع في نفوسهم من هَيْبتِه شديد الموقع. و { تَنَازَعُوۤاْ أَمْرَهُمْ } والتنازُعُ يقتضي ٱختلافاً كان بينهم في السرِّ؛ فقائلٌ منهم يقول: هو محقٌّ، وقائل يقول: هو مُبْطل، ومعلوم أن جميع تناجيهم إنما كان في أمر موسى عليه السلام و { ٱلنَّجْوَىٰ } المسارة، أي: كل واحد يناجي مَنْ يليه سِرّاً؛ مخافةً من فرعون أن يتبين له فيهم ضعف.

وقالت فرقة: إنما كان تناجِيهم بالآية التي بعد هذا.

{ إِنْ هَـٰذَانِ لَسَـٰحِرَٰنِ } قرأ نافعٌ، وابنُ عامرٍ، وحمزةُ والكسائيُّ: «إنَّ هذان لساحران» فقالت فرقةٌ: قوله: «إِن» بمعنى: نعم؛ كما قال صلى الله عليه وسلم إن الحمدُ للَّه، برفع الحمد.

وقالت فرقةٌ: إنّ هذه القراءةَ على لغةِ بَلْحَارِث بن كعْب، وهي إبقاء ألف التثنية في حال النَّصْبِ، والخِفْضِ، وتُعْزىٰ هذه اللغة لكِنَانةَ، وتُعْزى لخثْعَم.

وقال الزجاج: في الكلام ضميرٌ تقديره: إنه هذان لساحران

وقرأ أبو عَمْرو وَحْدَه: «إنَّ هَذَيْنِ لَسَاحِرَانِ».

وقرأ ابنُ كثيرٍ: «إنْ هَذَانِّ لسَاحِرَانِّ» بتخفيف إنَّ، وتشديد نون هذان لساحران.

وقرأ حفصٌ عن عاصِمٍ: «إنْ» بالتخفيف «هَذَانِ» خفيفة أَيْضاً «لَسَاحِرَانِ».

وعبّر كَثيرٌ من المفسرين عن الطريقة بالسادة أهْل العَقْل والحِجَا؛ وحكوا أن العرب تقول: فلانٌ طريقَةُ قومِه، أيْ: سيدهم، وإلا ظهر في الطريقة هنا أَنها السِّيرة، والمملكة، والحال الَّتي كانُوا عليها.

و { المُثْلَىٰ } تأنِيث أَمثل، أي: الفاضلة الحسنة.

وقرأَ جمهورُ القرَّاء: «فأَجْمِعوا»: بقطْع الهمزة، وكسْرِ الميم؛ على معنى: ٱنفذُوا، وٱعزِمُوا.

وقرأ أو عمرو وَحْدَهُ «فَٱجْمَعُوا» من جمع، أي: ضموا سِحْركم بعضه إلى بعض.

وقوله { صفا } أي: مصطفين، وتداعوا إلى هذا؛ لأنه أهْيب، وأظهر لهم، { وأفْلَحَ } معناه: ظفر بِبُغْيَته، وباقي الآية بيِّن مما تقدم.