الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَوْلاۤ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَىٰ } * { قُلْ كُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْ فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ ٱلصِّرَاطِ ٱلسَّوِيِّ وَمَنِ ٱهْتَدَىٰ }

قوله سبحانه: { وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَـٰهُمْ بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ... } أي: من قبل إرسالنا إليهم محمداً، { لقَالُوا رَبَّنَا لَوْلاَ أَرْسَلْتَ إلَيْنَا رَسُولاً... } الآية، وروى أبو سعيد الخِدْرِي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يَحْتَجُّ عَلَى اللَّه تَعَالَىٰ يَوْمَ القِيَامَةِ ثَلاَثَةٌ: الهَالِكُ فَي الفَتْرَةِ، والمَغْلُوبُ عَلَىٰ عَقْلِهِ، والصَّبِيُّ الصَّغيرُ: فيقُولُ المَغْلُوبُ عَلَىٰ عَقْلِهِ: رَبِّ، لَمْ تَجْعَلْ لِيَ عَقْلاً، ويَقَولُ الصَّبِيُّ نَحْوَهُ، ويَقُولُ الهَالِكُ فِي الفَتْرَةِ. رَبِّ، لَمْ يُرْسِلْ إِلَيَّ رَسَولاً، وَلَوْ جَاءَنِي، لَكُنْتُ أَطْوَعَ خَلْقِكَ لَكَ، قَالَ: فَتَرْتَفِعُ لَهُمْ نَارٌ، وَيُقَالُ لَهُمُ: رُدُوهَا، فَيَرِدُهَا مَنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّه أَنَّهُ سَعِيدٌ وَيَكَعُ عَنْهَا الشَّقِيُّ، فَيَقُولُ اللَّه تَعَالَىٰ: إيَّايَ عَصَيْتُمْ فَكَيْفَ بِرْسُلِي لَوْ أَتَتْكُمْ ". قال (ع): أما الصبيُّ، والمغلوبُ على عقله، فبَيّن أمرهما، وأما صاحبُ الفَترة، فليس ككفَّارِ قريش قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، لأن كفار قريش، وغيرهم مِمَّنْ علم وسمع نبوَّة ورسالة في أقطار الأرضِ، ليسٍ بصاحب فترةٍ، وقد، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لرجل: " أبيِ وَأَبُوكَ فِي النَّارِ " ورأى صلى الله عليه وسلم، عَمَرْو بْنَ لُحَيٍّ في النار إلى غير هذا مِمَّا يطوُلُ ذِكْرهِ، وإنما صاحبُ الفترة يفرض أنه آدميٌّ لم يطرأ إليه أن اللَّه تعالى بعث رَسُولاً، ولاَ دَعا إلى دِينٍ، وهذا قليلُ الوجود إلاّ أن يشذ في أطراف الأرض، والمواضع المنقطعة عن العمران.

* ت *: والصحيح في هذا الباب: «أَنَّ أوْلادَ المُشْرِكينَ في الجَنَّةِ، وأمَّا أَوَلاَدُ المُسْلِمِينَ فَفِي الجَنَّةِ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ» متفق عليه.

وقد أَسند أَبو عُمَرَ في «التمهيد» من طريق أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سألتُ رَبِّي في اللاَّهين مِنْ ذُرِّيَّةِ البَشَرِ ألاَّ يُعَذِّبَهُمْ فَأَعْطانِيهِمْ " قال أبو عمر إنما قيل للأطفال: الَّلاهُوَنَ؛ لأن أعمالهم كاللهو، واللعب من غير عقد، ولا عَزْم، ثم أسند أبو عمر، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ ". قال أبو عمر، وروى شُعْبةِ، وسعيد بن أبي عروبة، وأبو عَوَانة، عن قتادة، عن أَبي سراية العجلي، عن سَلْمَان قال: أَطْفَالُ المُشْرِكِينَ خَدَمُ أَهْلِ الجَنَّةِ.

وذكر البخاري حَدِيثَ الرؤيا الطويل، وفيه: " وَأَمَّا الرَّجُلُ الطَّوِيلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ، فَإنَّهُ إبْرَاهِيمَ عليه السلام وأمَّا الوِلْدَانُ حَوْلَهُ، فَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولدُ عَلَى الفِطْرَةِ، قَالَ: فقيل: يَا رَسُولَ اللَّه، وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: وأَوْلاَدُ المُشْرِكِينَ " ، وفي رواية: " والصبيان حَوْلَهُ أَوْلاَدُ النَّاسِ " وظاهره العمومُ في جميع أولاد الناس. انتهى من التمهيد والذُّلُّ، والخِزْيُ مقترنان بعذاب الآخرة.

وقوله: { قُلْ كُلٌّ } أَيْ: مِنَّا ومنكم { مُّتَرَبِّصٌ } والتربصُ: التأَنِّي، والصِّراطُ: الطريق، وهذا وَعِيدٌ بَيِّنٌ؛ والله الموفِّقُ، والهادي إلى الرشاد بفضله.