الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ } * { وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى } * { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ ٱلنَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ } * { وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ } * { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } * { وَقَالُواْ لَوْلاَ يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي ٱلصُّحُفِ ٱلأُولَىٰ }

وقوله سبحانه: { أفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ القُرُونِ } المعنى: أفلم يبين لهم.

وقرأت فرقةٌ: «نَهْدِ» بالنون، والمراد بالقرونِ المهلَكِين: عَادٌ، وثَمُودٌ، والطَّوائِفُ التي كانت قريشٌ تجوزُ على بلادهم في المرور إلى الشام وغيره، ثم أعلم سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم أن العذابَ كان يصير لهم لِزَاماً لولا كلمة «سبقَتْ من اللّه تعالى في تَأْخيره عنهم إلى أجلٍ مُسَمًّى عنده، فتقدير الكلام. ولولاَ كلمةٌ سبقت في التَّأْخِير، وأجلٍ مسمى، لكَانَ العذابُ لِزَاماً؛ كما تقولُ لَكَانَ حَتْماً، أو واقعاً، لكنّه قدم وأَخّر؛ لتشابه رُؤُوس الآي.

واختُلِف في الأجل المسمى: هل هو يوم القيامة، أو موت كل واحد منهم، أو يوم بدْرٍ؟ وفي «صحيح البخاري»: أن يوم بَدْرٍ هو: اللزام، وهو: البَطْشَةُ الكُبْرىٰ، يعني: وقع في البخاري من تفسير ٱبْنِ مَسْعُودٍ، وليس هو من تفسير النبي صلى الله عليه وسلم.

قال * ص *: و { لِزَاماً }: إمَّا مصدرٌ، وإمَّا بمعنى ملزم، وأجاز أبو البقاء: أنْ يكون جمع لاَزِم، كَقَائِمٍ وقيام. انتهى.

ثم أمر اللّه سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصّبْر على أقوالهم: إنه ساحرٌ، إنه كاهن، إنه كاذب إلَى غير ذلك.

وقوله سبحانه: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ... } الآية، قال أكثرُ المفسرين: هذه إشارةٌ إلى الصلوات الخمس؛ فقبل طلوع الشمس صلاةُ الصبح، وقبل غُرُوْبَها صَلاةُ العَصْر، ومن آناءِ الليل العِشَاءُ، وأطرافُ النهار المغرِبُ والظهر.

قال ٱبنُ العربي: والصحيحُ أنَّ المغربَ من طَرَفِ الليل، لاَ مِنْ طرف النَّهَارِ. انتهى من «الأحكام».

وقالت فرقةٌ: آناء الليل: المغرب والعشاء، وأطراف النهار: الظهر وحدها، ويحتمل اللفظ أن يراد به قول: سبحان اللّه وبحمده.

وقالت فرقةٌ: في الآية: إشارةٌ إلى نوافل، فمنها آناء الليل، ومنها قبل طلوع الشمس ركعتا الفجر.

* ت *: ويتعذر على هذا التأويل قولُه: { وقَبْلَ غُرُوبِهَا }؛ إذْ لَيْس ذلك الوقْتُ وقْتَ نفل، على ما علم إلاَّ أنَّ يتأول ما قبل الغروب بما قبل صلاة العصر وفيه بعد.

قال * ص *: { بِحَمْدِ رَبِّكَ } في موضع الحال، أي: وأنت حامدٌ. انتهى.

وقرأ الجمهور: { لَعْلَّكَ تَرْضَىٰ } بِفَتْح التاء، أي: لعلك تُثَابُ على هذه الأعمال بما ترضى به.

قال ابنُ العربي في «أحكامه»: وهذه الآية تُماثِلُ قولَهُ تعالى:وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [الضحى:5].

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إنَّكُمْ تَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ القَمَرَ لَيْلَةَ البَدْرِ؛ فإنِ ٱسْتَطَعْتُمْ أَلاَّ تُغْلَبُوا عَلَىٰ صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَعْنِي: الصُّبْحَ، وقَبْلَ غُرُوبَهِا؛ فَٱفْعَلُوا ". وفي الحديث الصحيح أيضاً: " منْ صَلَّى البَرْدَيْنِ، دَخَلَ الجَنَّةَ " انتهى.

وقرأَ الكسائي، وأبو بكر عن عاصم: «تُرْضَىٰ» أي: لعلك تُعْطى ما يرضيك، ثم أمر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم: بالاحتقار لشأن الكفرة، والإعراض عن أموالهم، وما في أيْديهم من الدنيا؛ إذ ذلك مُنْحَسِرٌ عنهم صائر إلى خِزْي، والأزواج: الأنواع، فكأنه قال: إلَى ما متعنا به أقواماً منهم، وأَصنافاً.

السابقالتالي
2 3