الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ ٱلشَّيْطَانُ قَالَ يٰآدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ ٱلْخُلْدِ وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلَىٰ } * { فَأَكَلاَ مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ ٱلْجَنَّةِ وَعَصَىٰ ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } * { ثُمَّ ٱجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ } * { قَالَ ٱهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } * { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ أَعْمَىٰ } * { قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِيۤ أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً } * { قَالَ كَذٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذٰلِكَ ٱلْيَوْمَ تُنْسَىٰ } * { وَكَذٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ }

وقوله: { فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ } * ص *: عدّي هنا بـ «إلىٰ» على معنى أنهى الوسوسة إليه، وفي «الأعراف» باللام، فقال أبو البقاء: لأنه بمعنى ذكر لهما. انتهى.

ثم أعلمهم سُبْحانه: أن من اتّبع هُدَاه فلا يضِلّ في الدنيا، ولا يَشْقَىٰ في الآخرة، وأنَّ من أعرض عن ذِكْر اللّه، وكفر به؛ فَإنَّ له معيشةً ضَنْكاً، و«الضَّنْك»: النكدُ الشاقّ من العيش والمنازل، ونحو ذلك.

وهل هذه المعيشةُ الضنك تكون في الدنيا، أو في البَرْزَخ، أو في الآخرة؟ أقوال.

* ت *: ويُحْتَمَلُ في الجميع، قال القرطبي: قال أبو سعيد الخُدْرِيّ، وٱبْنُ مسعودٍ: ضَنْكاً: عذاب القبر، وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أتَدْرُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيةُ: { فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً ونَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَىٰ } أَتَدْرُونَ مَا الْمَعِيشَةُ الضَّنك؟ قالوا: اللّهُ ورَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: عَذَابُ الكَافِرِ فِي الْقَبْرِ؛ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّهُ لَيُسَلَّطُ عَلَيْهِ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ تِنِّيناً ـــ وَهِيَ الحَيَّاتُ ـــ لكُلِّ حَيَّةٍ تِسْعَةُ رُؤُوسٍ، يَنْفُخْنَ في جِسْمِهِ، وَيَلْسَعْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ إلَىٰ يَوْمِ القِيَامَةِ، ويُحْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ إلَىٰ مَوْقِفِهِ أَعْمَىٰ " انتهى من «التذكرة» فَإنْ صَحَّ هذا الحديث، فلا نظر لأحد معه، وإن لم يصحَّ، فالصوابُ حملُ الآية على عُمُومها؛ والله أعلم.

قال الثَّعْلَبِيُّ: قال ٱبنُ عباس: { فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يضِلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ } قال: أَجار اللّهُ تعالى تابعَ القرآن من أنْ يضل في الدنيا، أو يشقى في الآخرة. وفي لفظ آخر: «ضمن اللّهُ تعالى لمن قرأَ القرآن...» الحديث، وعنه: مَنْ قرأَ القرآن واتَّبع ما فيه، هَدَاهُ اللّه تعالى مِنَ الضَّلاَلَةِ ووقاه اللّهُ تَعَالَى يَوْمَ القِيَامَةِ سُوءَ الحِسَابِ. انتهى.

وقولُه سبحانه: «ونَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أعْمَىٰ» قالت فرقةٌ: وهو عَمَى البَصَر، وهذا هو الأوْجه، وأما عمى البَصِيرة، فهو حاصل للكافر.

وقوله سبحانه: «كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا» النسيان هنا: هو التركُ، ولا مَدْخَلَ للذهول في هذا الموضع، و { تُنْسَىٰ } أيضاً بمعنى: تُتْرك في العذاب.