الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُّعْرِضُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَآءَكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ } * { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ... } الآية: أخذ اللَّه سبحانه الميثاق عليهم على لسان موسَىٰ - عليه السلام -وغيره من أنبيائهم، وأخْذ الميثاق قولٌ، فالمعنى: قلنا لهم: { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ... } الآية، قال سيبوَيْهِ: «لا تعبدون: متلق لقسم»؛ والمعنى: وإذ ٱستحْلفناهم، واللَّهِ لا تعبدونَ إلاَّ اللَّه، وفي الإحسان تدخل أنواع بِرِّ الوالدين كلُّها، واليُتْم في بَنِي آدمَ: فَقْدُ الأبِ، وفي البهائمِ فَقْدُ الأمِّ، وقال صلى الله عليه وسلم: " لاَ يُتْمَ بَعْدَ بُلُوغٍ وَالْمِسْكِينُ الَّذِي لاَ شَيْءَ لَهُ " ، وقيل: هو الذي له بُلْغَةٌ، والآية تتضمَّن الرأفة باليتامَىٰ، وحيطة أموالهم، والحضّ على الصدقة، والمواساة، وتفقُّد المساكين.

وقوله تعالى: { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا }: أمر عطف على ما تضمَّنه { لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ } وما بعده، وقرأ حمزة والكسَائِيُّ: «حَسَناً»؛ بفتح الحاء والسين، قال الأخفش: وهما بمعنى واحدٍ، وقال الزجَّاج وغيره: بل المعنَىٰ في القراءة الثانية، وقولوا «قَوْلاً حَسَناً»؛ بفتح الحاء والسين، أو قولاً ذا حُسْن بضم الحاء وسكون السين في الأولى؛ قال ابن عبَّاس: معنى الكلام قولُوا للنَّاس: لا إله إلا اللَّه، ومُرُوهم بها، وقال ابن جُرَيْجٍ: قولوا لهم حُسْناً في الإعلام بما في كتابكم من صفة محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقال سفيانُ الثَّوْرِيُّ: معناه: مروهم بالمَعْروف، وٱنْهُوهم عن المُنْكَر، وقال أبو العالية: قولوا لهم الطيبَ من القول، وحاورُوهم بأحسن ما تُحِبُّونَ أن تحاوروا به، وهذا حضٌّ على مكارم الأخلاق، وزكاتُهم هي التي كانوا يَضعُونها، وتنزل النار على ما تُقُبّلَ منها، دون ما لم يتقبل.

وقوله تعالى: { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ... } الآية: خطابٌ لمعاصري النبيِّ صلى الله عليه وسلم أسند إليهم تولّي أسلافهم؛ إِذ هم كلُّهم بتلك السبيل، قال نحوه ابنُ عَبَّاس وغيره. والمراد بالقليلِ المستثنَىٰ جميعُ مؤمنيهم قديماً من أسلافهم، وحديثاً كابن سَلاَمٍ وغيره، والقِلَّة علَىٰ هذا هي في عدد الأشخاصِ، ويحتمل أن تكون القِلَّة في الإِيمان، والأول أقْوَىٰ.

* ص *: { إِلاَّ قَلِيلاً }: منصوب على الاستثناء، وهو الأفصح؛ لأنه استثناءٌ من موجب، وروي عن أبي عَمرو: «إلاَّ قَلِيلٌ»؛ بالرفع، ووجَّهه ابن عطية علَىٰ بدل قليل من ضمير: «تَوَلَّيتُمْ» على أن معنى «تَوَلَّيْتُم» النفي، أي: لم يف بالميثاق إلا قليل، ورد بمنع النحويِّين البدل من الموجب؛ لأن البدل يحل محلَّ المبدل منه، فلو قلْت: قام إلا زيد، لم يجز؛ لأن «إِلاَّ» لا تدخل في الموجب، وتأويله الإِيجاب بالنفْي يلزم في كل موجب بٱعتبار نفي ضده أو نقيضه؛ فيجوز إِذَنْ: «قَامَ القَوْمُ إلاَّ زَيْدٌ»؛ على تأويل: «لَمْ يَجْلِسُوا إِلاَّ زَيْدٌ» ولم تبن العَرَب علَىٰ ذلك كلامها، وإِنما أجازوا: «قام القَوْمُ إِلاَّ زَيْدٌ»؛ بالرفع على الصفة، وقد عقد سيبوَيْه لذلك باباً في كتابه.

السابقالتالي
2 3