الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً قَالُوۤاْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ فَارِضٌ وَلاَ بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذٰلِكَ فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَآءُ فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ ٱلنَّاظِرِينَ } * { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ ٱلبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّآ إِن شَآءَ ٱللَّهُ لَمُهْتَدُونَ } * { قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لاَّ ذَلُولٌ تُثِيرُ ٱلأَرْضَ وَلاَ تَسْقِي ٱلْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لاَّ شِيَةَ فِيهَا قَالُواْ ٱلآنَ جِئْتَ بِٱلْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَٱدَّارَأْتُمْ فِيهَا وَٱللَّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { فَقُلْنَا ٱضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي ٱللَّهُ ٱلْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ... } الآية: المراد تذكيرهم بنقْضِ سلفهم للميثاقِ، وسبب هذه القصَّة علَىٰ ما روي أن رجلاً من بني إسرائيل أَسَنّ، وكان له مالٌ، فاستبطأ ابن أخيه موته، وقيل: أخوه، وقيل: ابنا عمه، وقيل: ورثةٌ غيْرُ معيَّنين، فقتله؛ ليرثه، وألقاه في سبط آخر غير سبطه؛ ليأخذ ديته، ويلطِّخهم بدمه.

وقيل: كانت بنو إسرائيل في قريتين متجاورتين، فألقاهُ إِلى باب إِحدى القريتَيْن، وهي التي لم يُقْتَلْ فيها، ثم جعل يطلبه هو وسبطه؛ حتى وجده قتيلاً، فتعلَّق بالسبط، أوْ بسكَّان المدينة التي وجد القتيل عندها، فأنكروا قتله، فوقع بين بني إسرائيل في ذلك لحاء؛ حتى دخلوا في السِّلاح، فقال أهل النُّهَىٰ، منهم: أَنَقْتَتِلُ ورسُولُ اللَّهِ معنا، فذهبوا إِلَىٰ موسَىٰ عليه السلام، فقصُّوا علَيْهِ القصَّة، وسألوهُ البيانَ، فأوحى اللَّه تعالَىٰ إِليه أن يذبحوا بقرةً، فيُضْرَبُ القتيل ببعضها، فَيَحْيَـــىٰ ويُخْبِرُ بقاتله، فقال لهم: { إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُواْ بَقَرَةً } ، فكان جوابهم أنْ { قَالُواْ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا } وهذا القول منهم ظاهره فسادُ اعتقادٍ مِمَّنْ قاله، ولا يصحُّ إيمان من يقول لِنبيٍّ قد ظهرتْ معجزته، وقال: إن اللَّه يأمرُ بكذا: أنتخذُنَا هُزُواً، ولو قال ذلك اليوْمَ أحدٌ عن بعض أقوال النبيِّ صلى الله عليه وسلم، لوجب تكفيره.

وذهب قوم إلى أنَّ ذلك منهم على جهة غلظ الطبع والجفاء، وقول موسَىٰ عليه السلام: { أَعُوذُ بِٱللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْجَـٰهِلِينَ } يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ:

أحدهما: الاستعاذةُ من الجهل في أن يخبر عن اللَّه تعالَىٰ مستهزئاً.

والآخر: من الجهل؛ كما جهلوا في قولهم.

وقوله تعالَىٰ: { قَالُواْ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ... } الآيةَ: هذا تعنيتٌ منهم، وقلَّةُ طواعية، ولو امتثلوا الأمر، فٱستعرضوا بقرةً فذبحُوها، لَقَضَوْا ما أمروا به، ولكن شدَّدوا، فشَدَّدَ اللَّهُ علَيْهم؛ قاله ابن عَبَّاسٍ وغيره.

والفارض: المسنَّة الهَرِمَة، والبِكْر؛ من البقر: التي لم تلدْ من الصغر، ورفعت «عَوَانٌ» على خبر ابتداءِ مضمرٍ، تقديره: هي عَوَانٌ، والعَوَانُ التي قد وَلَدَتْ مرَّةً بعد مرّة.

قال: * م *: قال الجَوْهَرِيُّ: والعَوَانُ: النَّصَفُ في سِنِّها من كل شيْء، والجمعُ عُونٌ. انتهى.

* ت *: قال الشيخُ زين الدين عبد الرحيم بن حُسَيْنٍ العَراقيُّ في نظمه لغريب القُرآن جمع أبي حيان: [الرجز]
مَعْنَىٰ «عَوَانٌ» نَصَفٌ بَيْنَ الصِّغَرْ   وَبَيْنَ مَا قَدْ بَلَغَتْ سِنَّ الْكِبَرْ
وكل ما نقلته عن العِرَاقِيِّ منظوماً، فمن أرجوزته هذه.

وقوله: { فَٱفْعَلُواْ مَا تُؤْمَرونَ } تجديدٌ للأمر، وتأكيدٌ وتنبيهٌ على ترك التعنُّت، فما تركوه. قال ابنُ زَيْد: وجمهورُ الناسِ في قوله: { صَفْرَاءُ }؛ أنَّها كانت كلُّها صفراء، وفي «مختصر الطبريِّ»: { فَاقِـعٌ لَّوْنُهَا } أي: صافٍ لونُها. انتهى.

والفقوعُ مختصٌّ بالصفرة؛ كما خُصَّ أحمرُ بِقَانِىء، وأسْوَدُ بحالِك، وأبْيَضُ بناصِع، وأخْضَرُ بناضِرٍ، قال ابن عبَّاس وغيره: الصفرة تسر النفْسَ، وسأَلُوا بعد هذا كلِّه عن ما هي سؤال متحيِّرين، قد أحسُّوا مقْتَ المعصية.

السابقالتالي
2