الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وَاحِدٍ فَٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ ٱلأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّآئِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ ٱلَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِٱلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ٱهْبِطُواْ مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ مَّا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ وَبَآءُو بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُواْ مَآ ءَاتَيْنَٰكُم بِقُوَّةٍ وَٱذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } * { ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِّن بَعْدِ ذٰلِكَ فَلَوْلاَ فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُم مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

وقوله تعالَىٰ: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ لَن نَّصْبِرَ عَلَىٰ طَعَامٍ وٰحِدٍ... } الآيةَ: كان هذا القول منهم في التيه حينَ ملُّوا المَنَّ والسلْوَىٰ، وتذكَّروا عيشهم الأول بمصْرَ، قال ابنُ عَبَّاس وأكثر المفسِّرين: الفُومُ: الحِنْطَة، وقال قتادة، وعطاء: الفوم: جميع الحبوب التي يمكن أن تختبز، وقال الضحَّاك: الفوم: الثُّوم، وهي قراءة عبد اللَّه بن مسعود، وروي ذلك عن ابن عبَّاس، والثاء تُبْدَلُ من الفاءِ؛ كما قالوا: مَغَاثِيرُ ومَغَافِير.

* ت *: قال أحمد بن نصر الدَّاوُوديُّ: وهذا القولُ أشبه لما ذكر معه، أي: من العَدَسِ والبَصَلِ. انتهى.

{ وَأَدْنَى }: قال عليُّ بن سليمان الأخْفَشُ. مأخوذٌ من الدَّنِيءِ البيِّنِ الدناءةِ؛ بمعنى: الأَخَسِّ، إلا أنه خُفِّفَت همزته، وقال غيره: هو مأخوذ من الدُّون، أي: الأحط فأصله أَدْوَن، ومعنى الآية: أَتَسْتَبْدِلُونَ البَقْلَ، والْقِثَّاءَ، والفُومَ، وَالعَدَسَ، والبَصَلَ الَّتي هى أدنَىٰ بالمَنِّ والسلْوَى الذي هو خيرٌ.

وجمهور النَّاس يقرءون «مِصْراً» بالتنوين، قال مجاهدٌ وغيره: أراد مِصْراً من الأمصار غير معيَّن، واستدلُّوا بما اقتضاه القرآن من أمرهم؛ بدخول القرية، وبما تظاهَرَتْ به الرواياتُ؛ أنهم سكنوا الشَّام بعد التيه، وقالت طائفة: أراد مِصْرَ فِرْعَونَ بعينها، وٱستدلُّوا بما في القرآن من أنَّ اللَّه أورَثَ بني إسْرائيل ديار آل فرعون وآثارهم، قال في «مختصر الطبريِّ»: وعلى أن المراد مصْر التي خرجُوا منها، فالمعنَىٰ: إنَّ الذي تطلُبُونَ كان في البَلَد الَّذي كان فيه عذابُكُم، وٱستعبادُكُم، وأسْركم، ثمَّ قال: والأظهر أنهم مُذْ خرجوا من مصْر، لم يرجعوا إليها، واللَّه أعلم. انتهى.

وقوله تعالَىٰ: { فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ } يقتضي أنه وَكَلَهُمْ إِلى أنفسهم، و { وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ وَٱلْمَسْكَنَةُ } معناه: ٱلْزَمُوهَا؛ كما قالت العربُ: ضَرْبَةُ لاَزِبٍ، { وَبَاءُوا بِغَضَبٍ }: معناه: مروا متحمِّلين له، قال الطبري: باءوا به، أي: رجعوا به، واحتملوه، ولا بد أن يوصل بَاءَ بخير أو بشرٍّ. انتهى.

وقوله تعالى: { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَـٰتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلنَّبِيِّينَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } الأشارة بـــ { ذَٰلِكَ } إلى ضرب الذلَّة وما بعدهُ، وقوله تعالَىٰ: { بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ } تعظيمٌ للشنعة، والذَّنْب، ولم يجرم نبيٌّ قطُّ ما يوجبُ قتله، وإنما التسليطُ عليهم بالقَتْل كرامةٌ لهم، وزيادةٌ لهم في منازلهم صلى اللَّه عليهمْ؛ كَمَثَلِ مَنْ يُقْتَلُ في سبيلِ اللَّهِ من المؤمنين، والباء في «بِمَا» باء السبب.

و { يَعْتَدُونَ }: معناه: يتجاوزون الحُدُود، والاعتداء هو تجاوُزُ الحدِّ.

وقوله تعالَىٰ: { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَـٰرَىٰ وَٱلصَّـٰبِئِينَ... } الآية.

اختلف في المراد بـ { ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } في هذه الآية.

فقالت فرقة: الذين آمنوا هم المؤمنون حقًّا بنبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم، وقوله: { مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ } يكون فيهم بمعنَىٰ مَنْ ثَبَتَ ودَامَ، وفي سائر الفرق: بمعنى: مَنْ دخَلَ فيه، وقال السُّدِّيُّ: هم أهل الحنيفيَّة ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم، والذين هَادُوا، ومن عطف عليهم كذلك ممَّن لم يلحق محمَّداً صلى الله عليه وسلم، { وَٱلَّذِينَ هَادُواْ } هم اليهودُ، وسُمُّوا بذلك؛ لقولهم:

السابقالتالي
2