الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَٰيَٰكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } * { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ } * { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْنَا ٱدْخُلُواْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَٱدْخُلُواْ ٱلْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ ٱلَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ }.

{ القَرْيَةَ }: المدينةُ؛ سمِّيت بذلك؛ لأنها تَقَرَّتْ، أي: اجتمعت؛ ومنه: قَرَيْتُ المَاءَ في الحَوْضِ، أي: جمعته، والإِشارة بهذه إِلى بيت المقْدِسِ في قول الجمهور.

وقيل: إلى أَرِيحَاء، وهي قريبٌ من بيت المَقْدِس، قال عمر بن شَبَّة: كانت قاعدةً، ومسْكنَ ملوكٍ، ولما خرج ذريةُ بني إِسرائيل من التِّيه، أُمِرُوا بدخول القرية المشار إِلَيْها، وأما الشيوخ، فماتوا فيه، وروي أن موسَىٰ وهارون عليهما السلام ماتا في التِّيه، وحكى الزجَّاج عن بعضهم أنهما لم يكونا في التِّيه؛ لأنه عَذَابٌ، والأول أكْثَرُ.

* ت *: لكن ظاهر قوله:فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَـٰسِقِينَ } [المائدة:25] يقوِّي ما حكاهُ الزجَّاج، وهكذا قال الإِمام الفَخْر. انتهى.

وَ { كُلُواْ }: إِباحة، وتقدَّم معنى الرَّغَد، وهي أرض مباركة عظيمة الغَلَّة، فلذلك قال: { رَغَدًا }.

و { ٱلْبَابَ }: قال مجاهد: هو باب في مدينة بَيْت المَقْدِسِ يُعْرَفُ إِلى اليوم بباب حِطَّة، و { سُجَّدًا }: قال ابن عبَّاس: معناه: ركوعاً، وقيل: متواضعين خضوعاً، والسجودُ يعم هذا كلَّه، وحِطَّة: فِعْلَةٌ؛ من حَطَّ يَحُطُّ، ورفعه على خبر ابتداء؛ كأنهم قالوا: سؤالُنَا حِطَّة لذنُوبِنَا، قال عكرمة وغيره: أُمِرُوا أَنْ يَقُولُوا: «لا إِله إِلاَّ اللَّهُ»؛ لتحطَّ بها ذنوبُهُمْ، وقال ابن عَبَّاس: قيل لهم: استغفروا، وقولوا ما يحطُّ ذنوبكم.

* ت *: قال أحمد بن نصرٍ الدَّاوُودِيُّ في «تفسيره»: " وَرُوِيَ أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم سَارَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: قُولُوا: نَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، فَقَالُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ، إِنَّهَا للْحِطَّةُ الَّتِي عُرِضَتْ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَلَمْ يَقُولُوهَا " انتهى.

وحكي عن ابن مَسْعود وغيره؛ أنهم أمروا بالسُّجود، وأن يقولوا: حِطَّةٌ، فَدَخَلُوا يزْحفُونَ علَىٰ أَسْتَاهِهِمْ، ويَقُولُونَ: حِنْطَةٌ حَبَّةٌ حَمْرَاءُ فِي شَعْرَةٍ، ويروى غير هذا من الألفاظ.

وقوله تعالَىٰ: { وَسَنَزِيدُ ٱلْمُحْسِنِينَ } عِدَةٌ: المعنَىٰ: إِذا غُفِرَتِ الخطايا بدخولكم وقولِكُمْ، زِيدَ بعد ذلك لمن أحسن، وكان من بني إسرائيل من دخل كما أُمِرَ، وقال: لا إله إلا اللَّه، فقيل: هم المراد بــــ { ٱلْمُحْسِنِينَ } هنا.

وقوله تعالى: { فَبَدَّلَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } الآية.

روي أنهم لما جاءوا الباب، دخلوا من قبل أدبارهم القَهْقَرَىٰ، وفي الحديث: أنهم دَخَلوا يَزْحَفُونَ علَىٰ أَسْتَاهِهِمْ، وبدَّلوا، فقالوا: حَبَّة في شَعْرَة، وقيل: قالوا: حِنْطَة حبَّة حمراء في شَعْرة، وقيل: شعيرة، وحكى الطبريُّ؛ أنهم قالوا: «هَطِّي شَمْقَاثَا أَزْبَه» وتفسيره ما تقدَّم وفي ٱختصار الطبريِّ، وعن مجاهد قال: أمر موسى قومَهُ أنْ يدخلوا الباب سُجَّداً، ويقولُوا: حِطَّة، وطُؤْطِىءَ لهم البابُ؛ ليسجدوا، فلم يسجدوا، ودخلوا على أدبارهم، وقالوا: حِنْطَة.

السابقالتالي
2