الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قُلْتُمْ يَٰمُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ ٱلصَّٰعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَٰكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٱكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ قُلْتُمْ يَـٰمُوسَىٰ }: يريد السبعينَ الذين اختارهم موسَىٰ، واختلف في وقت اختيارهمْ.

فحكى أكثر المفسِّرين؛ أن ذلك بعد عبادة العجل، فاختارهم؛ ليستغفِروا لبني إسرائيل، وحكى النقَّاش وغيره؛ أنه اختارهم حين خَرَجَ من البحْرِ، وطلب بالميعاد، والأول أصح.

وقصة السبعين أنَّ موسى عليه السلام، لما رجع من تكليم اللَّه تعالَىٰ، ووجد العجْلَ قد عُبِدَ، قالتْ له طائفة ممَّن لم يعبد العجلَ: نحن لم نكْفُرْ، ونحن أصحابك، ولكنْ أسمعْنَا كلام ربِّك، فأوحى اللَّه إِليه؛ أن اختَرْ منهم سَبْعِينَ، فلم يجد إلا ستِّين، فأوحى إليه أن ٱخْتَرْ من الشباب عَشَرةً، ففعل، فأصبحوا شيوخاً، وكان قد اختار ستَّةً من كلِّ سبط، فزادوا اثنين على السبعين، فتشاحُّوا فيمن يتأخَّر، فأُوحِيَ إِليه أنَّ من تأخَّر له أجْرُ مَنْ مضَىٰ، فتأخَّر يوشَعُ بْنُ نُونٍ، وكَالُوثُ بْنُ يُوفَنَّا، وذهب موسَىٰ عليه السلام بالسبْعين، بعد أن أمرهم أن يتجنَّبوا النساء ثلاثاً، ويغتسلوا في اليوم الثالث، واستخلف هارون علَىٰ قومه، ومضَىٰ حتى أتى الجَبَلَ، فألقي عليهم الغمام، قال النَّقَّاش: غشيتهم سحابة، وحِيلَ بينهم وبين موسَىٰ بالنور، فوقعوا سجوداً، قال السُّدِّيُّ وغيره: وَسَمِعوا كلامَ اللَّهِ يأمر وينهى، فلم يطيقوا سماعه، واختلطتْ أذهانهم، ورَغِبُوا أن يكون موسَىٰ يسمع ويعبِّر لهم، ففعل، فلما فرغوا، وخرجوا، بدَّلت منهم طائفةٌ ما سمعت من كلام اللَّهِ، فذلك قوله تعالَىٰ:وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَـٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ } [البقرة:75] واضطرب إيمانهم، وامتحنهم اللَّه تعالَىٰ بذلك، فقالوا: { لَنْ نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } ، ولم يطلبوا من الرؤية محالاً؛ أما إِنه عند أهل السُّنَّة ممتنعٌ في الدنيا من طريق السمع، فأخذتهم حينئذ الصاعقةُ، فٱحترقوا وماتوا موْتَ همودٍ يعتبر به الغَيْرُ، وقال قتادة: ماتوا، وذهبت أرواحهم، ثم رُدُّوا؛ لاستيفاء آجالهم، فحين حصلوا في ذلك الهمود، جعل موسَىٰ يناشد ربَّه فيهم، ويقول: أيْ ربِّ، كيف أرجع إِلى بني إِسرائيل دونهم، فيَهْلِكُون، ولا يؤمنون بي أبداً، وقد خرجوا، وهم الأخيار.

قال: * ع *: يعني: هم بحال الخير وقْتَ الخروج، وقال قومٌ: بل ظن موسَىٰ أنَّ السبعين، إِنما عوقبوا بِسَبَبِ عبادة العجْلِ، فذلك قوله:أَتُهْلِكُنَا } [الأعراف:155] يعني السبعين: { بِمَا فَعَلَ ٱلسُّفَهَاءُ مِنَّا } يعني: عَبَدَةَ العجلِ، وقال ابن فورك: يحتمل أن تكون معاقبة السبعين؛ لإخراجهم طلب الرؤية عن طريقه؛ بقولهم لموسَىٰ:أَرِنَا } [النساء:153] وليس ذلك من مقدورِ موسَىٰ عليه السلام.

قال: * ع *: ومن قال: إن السبعين سَمِعُوا ما سمع موسَىٰ، فقد أخطأ، وأذهب فضيلةَ موسَىٰ، واختصاصه بالتكْلِيم.

و { جَهْرَةً }: مصدر في موضع الحالِ، والجهرُ العلانيةُ، ومنه الجَهْرُ ضد السر، وجَهَرَ الرَّجُلُ الأَمْرَ: كشفه، وفي «مختصر الطبريِّ» عن ابن عبَّاس: { جَهْرَةً }: قال علانيةً، وعن الربيع: { جَهْرَةً }: عياناً.

السابقالتالي
2