الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ فَأَنجَيْنَٰكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ } * { وَإِذْ وَٰعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ ٱتَّخَذْتُمُ ٱلْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَٰلِمُونَ } * { ثُمَّ عَفَوْنَا عَنكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } * { وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ وَٱلْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } * { وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَٰقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِٱتِّخَاذِكُمُ ٱلْعِجْلَ فَتُوبُوۤاْ إِلَىٰ بَارِئِكُمْ فَٱقْتُلُوۤاْ أَنفُسَكُمْ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ }

وقوله تعالى: { وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ ٱلْبَحْرَ } الآية: { فَرَقْنَا }: معناه: جعلْنَاه فِرَقاً، ومعنى { بِكُمُ } أي: بسببكم، والبحر هو بحر القُلْزُمِ ولم يفرق البحر عَرْضاً من ضفَّة إلى ضفَّة، وإنما فرق من موضع إلى موضع آخر في ضفة واحدة، وكان ذلك الفرق يُقَرِّبُ موضع النجاة، ولا يلحق في البر إلا في أيام كثيرةٍ بسبب جبالٍ وأوغار حائلة، وقيل: انفرق البحْرُ عَرْضاً على ٱثْنَيْ عَشَرَ طَريِقاً؛ طريق لكلِّ سبط، فلما دخلوها، قالَتْ كل طائفة: غَرِقَ أصحابنا، وجَزِعُوا، فقال موسَىٰ ـــ عليه السلام ـــ: اللهمَّ، أَعِنِّي علَىٰ أخلاقهِمُ السَّيئة، فأوْحَى اللَّه إِلَيْه أَنْ أدِرْ عصَاك على البَحْر، فأدارها، فصار في الماء فتوحٌ كالطَّاق، يرَىٰ بعضهم بعضًا، وجازوا وجبريلُ في ساقتهم عَلَىٰ مَاذِيَانةٍ يحث بني إسرائيل، ويقول لآلِ فرْعَوْنَ: مَهْلاً حتَّىٰ يلحق آخركم أوَّلَكُم، فلما وصل فرعونُ إلى البحر، أراد الدخول، فنفر فرسُهُ، فتعرَّض له جبريلُ بالرَّمَكَة، فأتبعها الفرَسُ، ودخَل آلُ فرعَوْن، وميكائلُ يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائلُ في ساقتهم على الضّفَّة وحده، انطبَقَ البحْرُ عليهم، فغرقوا.

وَ { تَنظُرُونَ }: قيل: معناه بأبصاركم لقُرْبِ بعضهم من بعضٍ، وقيل: ببصائركم لِلٱعتبار؛ لأنهم كانوا في شُغُلٍ.

قال الطبريُّ: وفي أخبار القرآن على لسان النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهذه المغيَّبات التي لم تكُنْ من علم العَرَب، ولا وقعتْ إلا في خفيِّ علْمِ بني إسرائيل دليلٌ واضحٌ عند بني إسرائيل، وقائمْ عليهم بنبوءة نبيِّنا محمَّد صلى الله عليه وسلم.

وموسَى: اسم أَعْجميٌّ، قال ابن إِسحاقَ: هو مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ بْنِ يَصْهرَ بْنِ قَاهَثَ بْنِ لاَوى بْنِ يَعْقُوبَ بْنِ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الخَليِلِ صلى الله عليه وسلم.

وخص الليالي بالذكْرِ في قوله تعالَىٰ: { وَإِذْ وٰعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً } إِذ الليلة أقدم من اليوم، وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخُ، قال النقَّاش: وفي ذلك إشارة إلى صلة الصوم؛ لأنه لو ذكر الأيام، لأَمْكَن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نصَّ على الليالي، ٱقتضَتْ قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلةً بأيامها.

قال: * ع *: حدَّثني أبي ـــ رضي اللَّه عنه ـــ قال: سمعتُ الشيخَ الزاهد الإِمام الواعظَ أبا الفضل بْنَ الجوهَرِيِّ ـــ رحمه اللَّه ـــ يعظُ النَّاسَ بهذا المعنى في الخلوة باللَّه سبحانه، والدنوِّ منه في الصلاة، ونحوه، وأنَّ ذلك يشغل عن كل طعامٍ وشرابٍ، ويقول: أين حال موسَىٰ في القرب من اللَّه، ووصالِ ثمانين من الدهْرِ من قوله، حين سار إلى الخَضِرِ لفتاه في بعض يوم:آتِنَا غَدَاءَنَا } [الكهف:62].

* ت *: وأيضاً في الأثر أنَّ موسَىٰ لم يصبه، أو لم يشك ما شكاه من النَّصَب؛ حتى جاوز الموضع الذي وعد فيه لقاء الخَضِرِ عليهما السلام.

السابقالتالي
2 3