الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ أَتَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ ٱلْكِتَٰبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَـٰقُواْ رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ }

وقوله تعالى: { أَتَأْمُرُونَ } خرج مخرج الاستفهامِ، ومعناه التوبيخُ، و «البِرُّ» يجمع وجوه الخيرِ والطاعاتِ، و { تَنسَوْنَ } معناه تتركون أنفسكم.

قال ابنُ عَبَّاس: كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلِّديهم بٱتِّبَاعِ التوراة، وكانوا هم يخالفونَهَا في جَحْدهم منْها صفةَ محمَّد صلى الله عليه وسلم.

وقالت فرقة: كان الأحبار إذا استرشدَهُمْ أحد من العرب في ٱتِّباعِ محمَّد صلى الله عليه وسلم، دلُّوه على ذلك، وهم لا يفعلونه.

* ت *: وخرَّج الحافظُ أبو نُعَيْمٍ أحمد بن عبد اللَّه الأصبهانيُّ في كتاب «رِيَاضَةِ المُتَعَلِّمِينَ»؛ قال: حدَّثنا أبو بكر بن خَلاَّد، حدَّثنا الحارث بن أبي أُسَامَةَ، حدثنا أبو النَّضْرِ، حدثنا محمَّد بن عبد اللَّه بن علي بن زيْدٍ عن أنس بن مالك ـــ رضي اللَّه عنه ـــ؛ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ أَلْسِنَتُهُمْ وَشِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ، مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: الخُطَبَاءُ مِنْ أُمَّتِكَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ " انتهى.

{ وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ }: قال مقاتل: معناه: على طلب الآخرة، وقيل: استعينوا بالصبر على الطاعات، وعن الشهوات علَىٰ نيلِ رضوانِ اللَّه سبحانه، وبالصلاةِ علَىٰ نيل رضوانِ اللَّه، وحطِّ الذنوب، وعلى مصائب الدهْر أيضاً؛ ومنه الحديثُ: " كان رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم، إذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، فَزِعَ إلَى الصَّلاَةِ " ، ومنْهُ ما روي أنَّ عبد اللَّه بن عباس نُعِيَ له أخوه قُثَمُ وهو في سفر، فٱسترجَعَ، وتنحَّىٰ عن الطريق، وصلَّىٰ، ثم ٱنصرفَ إلى راحلته، وهو يقرأُ: { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَوٰةِ } ، وقال مجاهد: الصبر في هذه الآية الصوْمُ، ومنه قيل لرمضانَ شهْرُ الصبْرِ، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكْرِ؛ لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهواتِ، ويزهِّد في الدنيا، والصلاة تنْهَىٰ عن الفحشاء والمنْكَرِ، وتُخشِّع، ويقرأُ فيها القرآن الذي يذكِّر بالآخرة، وقال قومٌ: الصبر على بابه، والصلاة الدعاءُ، وتجيء الآية على هذا القولِ مشْبِهةً لقوله تعالى:إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَٱثْبُتُواْ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ } [الأنفال:45] لأن الثبات هو الصبر، وذكر اللَّه هو الدعاءُ، وروى ابن المبارك في «رقائقه»؛ قال: أخبرنا حمَّاد بن سَلَمَةَ عن ثابتٍ البُنَانِيِّ عن صِلَةَ بْنِ أشْيَمِ؛ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: " مَنْ صَلَّىٰ صَلاَةً، لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئاً مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلاَّ أَعْطَاهُ إيَّاه " وأسند ابن المبارك عن عقبة بن عامر الجُهَنِيِّ؛ قال: سَمِعْتُ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: " مَنْ تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ صَلَّىٰ صَلاَةً غَيْرَ سَاهٍ، وَلاَ لاَهٍ، كُفِّرَ عَنْهُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ شَيْءٍ "

السابقالتالي
2