الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقُلْنَا يَآءَادَمُ ٱسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّٰلِمِينَ } * { فَأَزَلَّهُمَا ٱلشَّيْطَٰنُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَٰعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

قوله تعالَىٰ: { وَقُلْنَا يَا ءادَمُ ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ }: { ٱسْكُنْ }: معناه: لاَزِمِ الإقامةَ، ولفظه لفظ الأمر، ومعناه الإِذن، واختلف في الجنة التي أسكنها آدم عليه السلام، هل هي جنةُ الخُلْدِ، أو جنةٌ أُخْرَىٰ.

* ت *: والأول هو مذهب أهل السنة والجماعة.

{ وَكُلاَ مِنْهَا } ، أي: من الجنةِ، والرغَد: العيشَ الدارَّ الهنيَّ، و «حَيْثُ» مبنيةٌ على الضمِّ.

وقوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ }: معناه لا تقرباها بأكْلٍ، والهاءُ في «هَذِهِ» بدلٌ من الياء، وتحتمل هذه الإشارة أن تكون إلى شجرةٍ معيَّنة واحدة، واختلف في هذه الشجرة، ما هي؟ فقال ابن عَبَّاس، وابن مسعود: هي الكَرْم، وقيل: هي شجرة التِّين، وقيل: السنبلة وقيل غير ذلك.

وقوله: { فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ }: الظالمُ؛ في اللغة: الذي يضع الشيء في غير موضعه، والظلم؛ في أحكام الشرع على مراتب: أعلاها الشِّرْكُ، ثم ظُلْمُ المعاصِي؛ وهي مراتبُ، و { أَزَلَّهُمَا }: مأخوذ من الزَّلَلِ، وهو في الآية مجازٌ؛ لأنه في الرأْي والنَّظر، وإنما حقيقة الزَّلَلِ في القَدَمِ، وقرأ حمزة: «فأَزَالَهُمَا» مأخوذ من الزوالِ، ولا خلاف بين العلماء أن إبليس اللعينَ هو متولِّي إغواء آدم ـــ عليه السلام ـــ، واختلف في الكيفيَّة.

فقال ابن عباس، وابن مسعود، وجمهور العلماء: أغواهما مشافهةً؛ بدليل قوله تعالَىٰ:وَقَاسَمَهُمَا } [الأعراف:21] والمقاسمة ظاهرها المشافهةُ.

وقالت طائفةٌ: إن إبليس لم يدخُلِ الجنةَ بعد أن أخرج منها، وإنما أغوى آدم بشيطانِهِ، وسُلْطَانه، ووَسَاوِسِهِ التي أعطاه اللَّه تعالَىٰ، كما قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِن ٱبْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ ". * ت *: وإلى هذا القوْلِ نَحَا المَازِرِيُّ في بعض أجوبته، ومن ابتلي بشيء من وسوسة هذا اللعينِ؛ فأعظم الأدوية له الثقَةُ باللَّه، والتعوُّذ به، والإعراض عن هذا اللعين، وعدمُ الالتفاتِ إليه، ما أمكن؛ قال ابن عطاءِ اللَّه في «لَطَائِفِ المِنَنِ»: كان بي وسواسٌ في الوضوءِ، فقال لي الشيخُ أبو العبَّاس المُرْسِيُّ: إن كنت لا تترك هذه الوسوسةَ لا تَعْدُ تَأْتِينَا، فَشَقَّ ذلك علَيَّ، وقطع اللَّه الوسواسَ عني، وكان الشيخ أبو العباس يُلَقِّنُ للوسواسِ: سُبْحَانَ المَلِكِ الخَلاَّقِ،إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍ } [فاطر:16، 17] انتهى.

قال عِيَاضٌ: في «الشِّفا»؛ وأما قصة آدم عليه السلام، وقوله تعالَىٰ:فَأَكَلاَ مِنْهَا } [طه:121] بعد قوله: { وَلاَ تَقْرَبَا هَـٰذِهِ ٱلشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ ٱلْظَّـٰلِمِينَ } ، وقوله تعالَىٰ:أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا ٱلشَّجَرَةِ } [الأعراف:22] وتصريحه تعالى عليه بالمعصية بقوله:وَعَصَىٰ ءادَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ } [طه:121] أي: جهل، وقيل: أخطأ، فإن اللَّه تعالى قد أخبر بعذره بقوله:وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ ءَادَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً } [طه:115] قال ابن عبَّاس: نسي عداوة إِبليس، وما عهد اللَّه إِليه من ذلك؛ بقوله:

السابقالتالي
2