الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ } * { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ }

وقوله تعالى: { قَالَ يَـا ءَادَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ }: أَنْبِئْهُمْ: معناه: أخبرهم، والضمير في «أَنْبِئْهُمْ» عائدٌ على الملائكة بإجماعٍ، والضميرُ في «أَسْمَائِهِمْ» مختلَفٌ فيه حَسَبَ الاختلاف في الأسماء التي علَّمها آدم، قال بعض العلماء: إنَّ في قوله تعالَىٰ: { فَلَمَّا أَنبَأَهُم } نبوءةً لآدم عليه السلام؛ إِذ أمره اللَّه سبحانه أن ينبىء الملائكة بما ليس عندهم من علم اللَّه عز وجَلَّ.

وقوله تعالَىٰ: { أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ }: معناه: ما غاب عنكم؛ لأنَّ اللَّه تعالى لا يغيبُ عنه شيء، الكلُّ معلوم له.

واختلف في قوله تعالى: { مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ }.

فقال طائفة: ذلك على معنى العموم في معرفة أسرارهم وظواهرهم وبواطنهم أجمع، «وإِذْ» من قوله: { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَـٰئِكَةِ } معطوفةٌ على «إذِ» المتقدِّمة، وقولُ اللَّه تعالَىٰ وخطابه للملائكةِ متقرِّر قديم في الأَزَلِ؛ بشرط وجودهم وفهمهم، وهذا هو الباب كله في أوامر اللَّه تعالَىٰ ونواهيه ومخاطباته.

* ت *: ما ذكره ـــ رحمه اللَّه ـــ هو عقيدةُ أهل السنة، وها أنا أنقل من كلام الأئمة، إن شاء اللَّه، ما يتبيَّن به كلامه، ويزيده وضوحاً، قال ابن رُشْدٍ: قوله صلى الله عليه وسلم: " أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ " لا يفهم منه أن للَّه عز وجلَّ كلماتٍ غَيْرَ تامَّات؛ لأن كلماته هي قوله، وكلامه هو صفةٌ من صفات ذاتِهِ يستحيلُ عليها النقص، وفي الحديث بيانٌ واضحٌ على أن كلماته عز وجل غير مخلوقة إذ لا يستعاذ بمخلوقٍ، وهذا هو قول أهل السنة، والحقّ أن كلام اللَّه عزَّ وجلَّ صفة من صفات ذاته قديمٌ غيرُ مخلوقٍ؛ لأن الكلام هو المعنى القائِمُ في النفسِ، والنطقُ به عبارةٌ عنه؛ قال اللَّه عزَّ وجلَّ:وَيَقُولُونَ فِى أَنْفُسِهِمْ } [المجادلة:8] فأخبر أن القول معنًى يقوم في النفْسِ، وتقول: في نَفْسِي كَلاَمٌ، أريد أن أعلمك به، فحقيقة كلام الرجل هو المفهومُ من كلامه، وأما الذي تسمعه منه، فهو عبارةٌ عنه؛ وكذلك كلام اللَّه عز وجلَّ القديمُ الذي هو صفة من صفاتِ ذاته هو المفهومُ من قراءة القارىء لا نَفْسُ قراءته التي تسمعها؛ لأنَّ نفس قراءته التي تسمعها مُحْدَثَةٌ، لم تكن؛ حتى قرأ بها، فكانت، وهذا كله بيِّن إلا لمن أعمى اللَّه بصيرته. انتهى بلفظه من «البَيَانِ».

وقال الغَزَّالِيُّ بعد كلامٍ له نحو ما تقدَّم لابْنِ رشد: وكما عقل قيامُ طلبِ التعلُّم وإرادته بذات الوالدِ قبل أن يخلق ولده؛ حتى إذا خلق ولده، وعقل، وخلق اللَّه سبحانه له علْماً بما في قلْب أبيه من الطَّلَب، صار مأموراً بذلك الطلب الذي قام بذاتِ أبيه، ودام وجوده إِلى وقت معرفة ولده، فليعقل قيام الطلب الذي دلَّ عليه قوله عزَّ وجلَّ:

السابقالتالي
2 3