الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤـمۤ } * { ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ } * { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلٰوةَ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }

قوله تعالى: { الۤمۤ }: اختلف في الحروف التي في أوائل السور على قولَيْنِ؛ فقال الشَّعْبِيُّ، وسفيانُ الثوريُّ، وجماعةٌ من المحدِّثين: هي سر اللَّه في القرآن، وهي من المتشابه الذي انفرد اللَّه بعلمه، ولا يجب أن يُتكلَّم فيها، ولكن يؤمن بها، وتُمَرُّ كما جاءت، وقال الجمهور من العلماء، بل يجب أن يُتكلَّم فيها، وتلتمس الفوائد التي تحتها، والمعاني التي تتخرَّج عليها، واختلفوا في ذلك على اثنَيْ عَشَرَ قولاً.

فقال عليٌّ، وابن عَبَّاس رضي اللَّه عنهما: الحروف المقطَّعة في القرآن: هي اسم اللَّه الأعظم إلا أنا لا نعرف تأليفه منها.

وقال ابن عبَّاس أيضًا: هي أسماء اللَّه أقسم بها، وقال أيضًا: هي حروف تدلُّ على: أَنَا اللَّهُ أَعْلَمُ، أَنَا اللَّهُ أَرَىٰ، وقال قومٌ:........ هي حسابُ أَبِي جَاد؛ لتدلَّ على مدَّة ملَّة محمَّد صلى الله عليه وسلم؛ كما ورد في حديث حُيَـــيِّ بن أَخْطب، وهو قول أبي العالية وغيره.

* ت *: وإِليه مال السُّهَيْلِيُّ في «الرَّوْضِ الأُنُفِ»، فٱنظره.

قوله تعالىٰ: { ذَٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }: الاسمُ من «ذَلِكَ»: الذال، والألف، واللام؛ لبعد المشار إليه، والكاف للخطاب.

واختلف في «ذَلِكَ» هنا؛ فقيل: هو بمعنى «هَذَا»، وتكون الإشارة إلى هذه الحروف من القرآن، وذلك أنه قد يشار بذلك إلى حاضرٍ تعلَّق به بعضُ غَيْبَةٍ، وقيل: هو على بابه، إِشارةً إِلى غائب.

واختلفوا في ذلك الغائب؛ فقيل: ما قد كان نزل في القرآن، وقيل غير ذلك؛ انظره.

و { لاَ رَيْبَ فِيهِ }: معناه: لا شَكَّ فيه، و { هُدًى }: معناه إِرشادٌ وبيانٌ، وقوله: { لِّلْمُتَّقِينَ }: اللفظ مأخوذ من «وَقَىٰ»، والمعنى: الذين يَتَّقُونَ اللَّه تعالَىٰ بٱمتثالِ أوامره، واجتناب معاصيه، كان ذلك وقايةً بينهم وبين عذابه.

قوله تعالَىٰ: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ }. { يُؤْمِنُونَ }: معناه يُصَدِّقون، وقوله: { بِٱلْغَيْبِ } قالت طائفةٌ: معناه: يُصَدِّقون، إِذا غَابُوا وَخَلَوْا، لا كالمنافقين الَّذين يؤمنون إذَا حضروا، ويكْفُرُونَ إِذا غابوا، وقال آخرون: معناه: يصدِّقون بما غاب عنهم مما أخبرتْ به الشرائعُ، وقوله: { يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } معناه: يظهرونها ويثبتونها؛ كما يقال: أُقِيمَتِ السُّوقُ.

* ت *: وقال أبو عبد اللَّه النَّحْوِيُّ في ٱختصارِهِ لتفسيرِ الطَّبَرِيِّ: إِقامة الصلاة إتمام الركوع، والسجود، والتلاوة، والخشوع، والإِقبال عليها. انتهى.

قال: * ص *: يقيمون الصلاةَ من التقويمِ؛ ومنه: أَقَمْتُ العُودَ، أو الإِْدَامَةِ؛ ومنه: قامتِ السُّوقُ، أو التشميرِ والنهوضِ؛ ومنه: قام بالأمر. انتهى.

وقوله تعالى: { وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ }: الرزْقُ عند أهل السنة ما صَحَّ الانتفاع به، حلالاً كان أو حرامًا، و { يُنفِقُونَ }: معناه هنا: يؤْتُونَ ما ألزمهُمُ الشرعُ من زكاةٍ، وما ندبهم إِلَيْهِ من غير ذلك.