الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِٱلْعَدْلِ وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ وَلْيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإن كَانَ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِٱلْعَدْلِ وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَٱمْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا ٱلأُخْرَىٰ وَلاَ يَأْبَ ٱلشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوۤاْ أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَو كَبِيراً إِلَىٰ أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدْنَىٰ أَلاَّ تَرْتَابُوۤاْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوۤاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ وَٱللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

وقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَٱكْتُبُوهُ... } الآية.

قال ابن عبَّاس: هذه الآية نزلَتْ في السَّلَمِ خاصَّة، قال: * ع *: معناه أنَّ سَلَمَ أهْلِ المدينة كانَ سَبَبَ الآيةِ، ثم هِيَ تتناوَلُ جميعَ المدايَنَات؛ إجماعاً، ووصفُهُ الأَجَلَ بـــ { مُّسَمًّى } - دليلٌ علَىٰ أنَّ الجهالة لا تجوزُ، وقال جمهورُ العلماء: الأمر بالكَتب ندْبٌ إِلى حفظ الأموال، وإِزالة الرّيب، وإِذا كان الغريمُ تقيًّا، فما يضرُّه الكَتْب، وإِن كان غير ذلك، فالكتب ثقافٌ في دَيْنِهِ وحَاجَة صاحبِ الحقِّ، قال بعضهم: إِن أشهدتَّ، فحَزْمٌ، وإِن ٱئتمنْتَ، ففي حِلٍّ وَسَعةٍ.

* ع *: وهذا هو القول الصحيحُ، ثم علم تعالَىٰ أنه سيقع الاِئتمانُ، فقال: إِن وقع ذلك،فَلْيُؤَدِّ... } [البقرة:283] الآية، فهذه وصيَّة للذِينَ علَيْهم الدُّيون.

واختلف في قوله تعالى: { وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُم كَاتِبٌ }.

فقال عطاءٌ، والشَّعْبِيُّ: واجبٌ على الكاتِبِ أنْ يكْتُبَ، إِذا لم يوجَدْ سواه، وقال السُّدِّيُّ: هو واجبٌ مع الفَرَاغ.

وقوله: { بِٱلْعَدْلِ }: معناه: بالحَقِّ، ثم نهى اللَّه سبحانه الكُتَّابَ عن الإباءَة، وحكى المَهْدَوِيُّ عن الرَّبِيعِ، والضَّحَّاك؛ أنَّ قوله تعالى: { وَلاَ يَأْبَ } منسوخٌ بقوله: { وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ } ، قال * ع *: أما إذا أمكن الكتاب، فلَيْسَ يجبُ الكَتْب علَىٰ معيَّن، بل له الاِمتناع، إِلا إِذا ٱستأجره، وأمَّا إِذا عدم الكاتبُ، فيتوجَّه وجوبُ النَّدْب حينئِذٍ على الكَاتِبِ.

وقوله تعالى: { وَلْيُمْلِلِ ٱلَّذِي عَلَيْهِ ٱلْحَقُّ... } الاية: أَمَرَ اللَّه تعالى الَّذي علَيْه الحقُّ بالإِملال؛ لأنَّ الشهادة، إِنما تكونُ بحَسَب إِقراره، وإِذا كتبت الوثيقةُ، وأقر بها، فهي كإمْلاله، والبَخْسُ: النقْصُ بنوعٍ من المخادَعَة، والمُدَافعة، وهؤلاءِ الذين أُمِرُوا بالإِملال هم المالكُون لأنفسهم، إِذا حَضَرُوا.

ثم ذكر تعالى ثلاثةَ أنواعٍ تقَعُ نوازلُهُمْ في كلِّ زمانٍ، فقال: «فَإن كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحقُّ سَفِيهاً»، والسفيهُ: الهَلْهَل الرأي في المالِ، الذي لا يحسنُ الأخذ لنَفْسِهِ ولا الإِعطاء منْها؛ مشبَّه بالثوْبِ السَّفِيهِ، وهو الخفيفُ النَّسْجِ، والسَّفَهُ: الخِفَّة، وهذه الصفة في الشريعةِ لا تخلُو من حجر أبٍ، أو وصيٍّ وذلك هو وليُّه، ثم قال: { أَوْ ضَعِيفًا } ، والضعيفُ: هو المدخُولُ في عَقْلِهِ، وهذا أيضاً قد يكونُ وليُّه أَباً أو وصيًّا، والذي لا يستطيعُ أن يُمِلَّ هو الصغيرُ، ووليُّه وصيُّه أو أبوه، والغائبُ عن موضعِ الإشهاد لمرضٍ أو لغيرِ ذلك مِنَ الأعذار، ووليُّه وكيلُهُ، وأمَّا الأخْرَسُ، فيسوغُ أنْ يكون من الضعفاء، والأوْلَىٰ أنه ممَّن لا يستطيعُ.

وقوله: { بِٱلْعَدْلِ }: معناه: بالحَقِّ، وقَصْدِ الصواب.

وقوله تعالى: { وَٱسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ... } الآية: الاستشهادُ: طلبُ الشهادةِ، وعبَّر ببناءِ مبالغة في «شَهِيدَيْنِ»؛ دلالةً على مَنْ قد شهد، وتكرَّر ذلك منه؛ فكأنه إِشارة إِلى العدالة، قال ابنُ العربيِّ في «أحكامه»: والصحيحُ أنَّ الأمر بالاستشهادِ محمولٌ على الندب.

السابقالتالي
2 3