الرئيسية - التفاسير


* تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن/ الثعالبي (ت 875 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَٰواْ إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ } * { فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَٰلِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ } * { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } * { وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

وقوله تعالى: { يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَوٰاْ... } الآية: سبَبُ هذه الآيةِ أنه لما افتتح النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكَّة، قال في خُطْبَتِهِ اليَوْمَ الثانِيَ من الفَتْح: " ألا كُلُّ رِباً فِي الجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِباً أَضَعُهُ رِبَا العَبَّاسِ " فبدأ صلى الله عليه وسلم بعَمِّه، وأخَصِّ الناسِ به، وهذه من سنن العَدْلِ للإِمام أنْ يفيض العَدْل على نَفْسه وخاصَّته، فيستفيض في النَّاس، ثم رجع رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلى المدينةِ، وٱستعملَ علَىٰ مكَّة عَتَّابَ بْنَ أَسِيدٍ، فلمَّا ٱستنزل صلى الله عليه وسلم أهْلَ الطائِفِ بَعْد ذلك إِلى الإِسْلامِ، ٱشترطوا شُرُوطاً، وكان في شروطهم: أنَّ كُلَّ رباً لهم على النَّاسِ؛ فإِنهم يأخذونه، وكُلُّ رباً علَيْهم، فهو موضُوعٌ، فيروَىٰ؛ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَرَّر لهم هذه، ثم ردَّها اللَّه بهذه الآية؛ كما ردَّ صُلْحَه لكُفَّار قُرَيْش في ردِّ النِّسَاءِ إِليهم عامَ الحُدَيْبِية، وذكَرَ النَّقَّاش روايةً؛ " أنَّ رسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُكْتَبَ فِي أَسْفَلِ الكِتَابِ لِثَقِيفٍ: «لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ، وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيهِمْ» " ، فلما جاءَتْ آجال رِبَاهُمْ، بعثوا إِلى مكَّة لِلاقتضاءِ، وكانَتْ علَىٰ بني المُغِيرَةِ للمَخْزُومِيِّينَ، فقال بنو المُغِيرَةِ: لا نُعْطِي شَيئاً؛ فإِن الربَا قد وُضِعَ، ورفعوا أمرهم إِلى عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ بمكَّة، فَكَتَب به إِلَىٰ رسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَتِ الآية، وكتَبَ بها رسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَىٰ عتَّابٍ، فعلمتْ بها ثقيفٌ، فكَفَّت: هذا سببُ الآية على اختصارٍ ممَّا روى ابْنُ إِسحاق، وابْنُ جُرَيْجٍ، والسُّدِّيُّ وغيرهم.

فمعنى الآية: اجعلوا بينكم وبيْنَ عذابِ اللَّهِ وقايةً بترككمْ ما بَقِيَ لكُمْ من رباً، وصَفْحِكُمْ عنه، ثم توعَّدَهُمْ تعالَى، إِن لم يذروا الربَا بحَرْبٍ منه، ومِنْ رسوله، وأمَّته، والحَرّب داعية القَتْلِ.

وقوله تعالى: { فَأْذَنُواْ } قال سِيبَوَيْهِ: آذَنْتُ: أعْلَمْتُ.

* ت *: وهكذا فسره البخاريُّ، فقال: قال أبو عبد اللَّهِ: فَأذَنُوا، فَٱعلَمُوا، وقال: * ع *: هي عنْدِي من الأَذَنِ، وقال ابن عَبَّاس وغيره: معناه فٱستيقِنُوا بحَرْبٍ.

ثم ردَّهم سبحانه مع التوبة إِلى رءوس أموالهم، وقال لهم: لا تَظْلِمُونَ في أخذِ الزائِدِ، ولا تُظْلَمُونَ في أنْ يتمسَّك بشيء من رءوس أموالكُمْ، ويحتمل لا تَظْلِمُونَ في مَطْلٍ، لأن مَطْل الغنيِّ ظُلْمٌ؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام - فالمعنَىٰ أنه يكون القضاءُ، مع وضْعِ الربا؛ وهكذا سنة الصُّلْح، وهذا أشبه شيء بالصُّلْح؛ ألا ترَىٰ " أنَّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أشارَ علَىٰ كَعْبِ بْنِ مالِكٍ في دَيْنِ ابْنِ أَبِي حَدْرَدٍ بِوَضْعِ الشَّطْرِ، فقال كَعْبٌ: نَعَمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلآخَرِ: «قُمْ، فَٱقْضِهِ» "

السابقالتالي
2 3